العالم الجديد

العالم الجديد

افتتاحية الأزمنة

الاثنين، ١١ أكتوبر ٢٠١٠

مصطلح يتلاعب بأفكار عقولنا التي تسأل دائماً وأبداً عن تأثرها بمحتواه، وما حواه من معانٍ اخترقت العقل الإنساني، فأنجزت فيه أسئلة أهمها حينما لا يعمل العقل تسهل السيطرة عليه، وإذا عمل تأمّل، وتفكّر وعلم وعمِل، فهل هذا العنوان غايته السيطرة على العقول والتحكم بها؟ أو أن الهدف إيجاد أسهل الطرق لامتلاك العالم، لماذا تُشنّ الحروب العلمية والعسكرية؛ والتي ما ظهرت  إلاّ بعد استكمال الثورة الصناعية الكبرى في أوربا، وبناء مدنها، واستفادة أميركا من نتاجات إبداعاتها، فطوّرت كلّ شيء بعد أن سحبت إليها كلّ شيء، وكلّ ذلك لم يتجاوز الثلاث مئة عام كتاريخ معتمد للبدء بانطلاق عالم جديد.
بالتأكيد، العالم الجديد إبداع غربي بامتياز، هدف للسيطرة على العالم القديم أي عالم الروح التي سادته البساطة بغاية إبقائه على بساطته واستغلاله تحت محتوى الشعار الجديد قسّم العالم الحرّ حقيقة، والذي لم يعرف الحدود قبل طرح هذا المصطلح، حيث كان الإنسان يتجوّل في أنحائه دون ضوابط أو قيود، ودون حدود أو جوازات سفر، محولاً إياه إلى مقاطعات وولايات أو دول، على شكل سجون كبيرة، تحت مسمّى الحواجز والحدود، لا تمرّ إلاّ بأوامر تسمح لك بالمرور، طبعاً، لتتجسد ضمن مفاهيمه بنود الحرية- الديمقراطية- الدكتاتورية- الملكية- الجمهورية- العقائد والأديان-، والغاية في جلّها تعميم الطاعة العمياء في عالم تسوده قوة المال، إذاً هي لعبة عمل العقل، من مبدأ " يعمل ولا يعمل" فإذا لم يعمل سهلت السيطرة عليه، وحينما يعمل خارج العالم الجديد وجبت محاربته والقضاء عليه، لننتبه أن إحدى أهم أفكار التاريخ الحقيقي: أن الأحداث تكرّر ذاتها وتتراكب متوافقة مع تواريخ وقوعها، فإما أن تُصطنع أو يُخطط لحدوثها، أو تمرّ عليها القوى القاهرة الطبيعية، محدثة الاستذكار لها.
كما أن هدف العالم الجديد إشغال البشرية بمفهومين، الأول: الطبقة الوسطى؛ التي تأخذ وتعطي، وتمتلك فقط قوة الإنتاج، مشكِّلة الحياة الرئيسة في عالم الشمال، وهذا ما يجري تعزيزه في عالم الشمال موجدِ العالم الجديد، والثاني: هو الطبقة الفقيرة التي يجب أن تبقى الأكثر انتشاراً في عالم الجنوب، بكونها تعطي كامل قوّتها من أجل قوُتها، ولا تأخذ أيَّ مقابل، فقط تنشد الحياة بروحانياتها التي أيضاً يتحكم بها الفكر الديني القادم من العالم الجديد، أما الطبقة الغنية فدوافعها التملك، فهذه مسموح لها بأن تأخذ كلّ شيء دون أن تعطي أيّ شيء.  
العالم الجديد يعني القيود الجديدة، والعقود، والشهود، والتسلسل الهرمي، طالما هناك حاكم هناك محكوم، وفوق كلّ حاكمٍ حاكمٌ، إلى أن نصل إلى قمة الهرم الذي أُسِّس على قواعد الانشغال بإشغال العقل وترفيهه، عبر تقديم الجنس، والمخدرات، والعنف، ووسائل الإعلام: "التلفاز- الإنترنت- الهاتف- المحمول- والرسائل"، أي تكييف عقول البشر، وتسييرهم  كرعية مقادة، عبر استلاب المشيئة والخضوع لسياسة طاعة الأوامر، عالم جديد يتحدث عن وجوده بقوله:" أتيت، فرأيت، فغزوت" مقولة شهيرة قالها يوليوس قيصر44ق.م، استند إليها العالم الجديد بعلميته السلبية، حيث عمل على تفكيك الإنسان بعد أن فهمه بأنه تجمّع من خلايا الطاقة، والسيطرة عليه أيضاً عبر شعارات غامضة مثل: الخداع، الموت، الاستيلاء، فغدا شعارهم العائم .
أيها السيدات والسادة: لماذا غدت الشعارات هكذا في هذا الزمان، من يتحكم بالعلم الكلّي، ونشر الثقافة المسطحة، بمعنى تسطيح العالم، وصناعة الأمراض، واختراع الأدوية لها، هل كلّ ذلك من أجل اجتياحه، والهيمنة عليه بحرية مطلقة، وتملّكه بشكل نهائي؟، سؤال: لمصلحة من تعود صرفيات الأموال، وما معنى المعارك الحاصلة بين طاقة الخير وطاقة الشر، ومفاهيم: العقل- الجسد- الروح، بمثلثها المتساوي الأضلاع؛ الذي تتحكم به تلك الطاقة الكامنة بداخل أيِّ إنسان؟، فان لم يتعرّف عليه يفقد تقديرها، وإدراك جسامة هذا النظام الذي يتحكّم بأضلاعها.
إذن، أقدّم لك دعوة لفهم جوهرها القائم على أساس أن كلّ شيء في هذا الكون حيّ، سواء أكان إنساناً نباتاً حيواناً أم جماداً، فهو متكوّن من طاقة، وحينما تفكك البناء المادي للإنسان، أي: الجسد معيداً إياه إلى أصغر مكوناته تجده خلية صغيرة ودون الجزيء، مركباً من ذرّات تحتوي على إلكترونات وبروتونات ونترونات، ما معنى ذلك؟،
ما معنى هذا المصطلح، وما هي علاقته بالطاقة التي أسّسنا لها ضمن شرحنا لمفهوم العالم الجديد؟ وبالتحليل يتبيّن أن الإنسان المبني من مجموع الطاقة، يتشابه تماماً وبدقة لا متناهية مع باقي المخلوقات والكون المحيط، والطاقة لا تفنى؛ بل تتحول من شكل إلى آخر، وبما أن الإنسان وُجد كمرسل للطاقة، فإنه أيضاً مستقبل لها، أي أنه بذاته يؤثر ويتأثر مع المحيط؛ الذي يتبادل معه إطلاق طاقة إيجابية أو سلبية، بحسب ما يكون عليه الإنسان، وحينما نبدأ بإطلاق الطاقة بذبذبات مرتفعة فإن هذه الطاقة ستتفاعل مع الطاقة الخارجية المشكّل لها، فالإيجابي يقوى ويتقوّى بحقلها، والسلبي بالطبع يضعك في حقلها، إذاً فالإنسان مؤثر ومتأثر بالطاقة المتواجدة ضمن محيطه المعاش، في أيِّ مكان حلّ أو غادر.
حينما تخرج إلى الطبيعة الغنّاء أو الجرداء، أو الأبنية التاريخية المبنية بواسطة العمل اليدوي؛ تشعر بإحساس نوعي خاص ورائع، بكون الطاقة المتواجدة فيها طبيعية، أي: إيجابيتها عالية جداً، كيف تفسر ذلك؟، وعكس ذلك فإنك لا تتملك تلك الأحاسيس حين وجودك وسط الازدحامات المدنية؛ التي تعمل بها الكثافة البشرية، وانشغال العقل بتأمين مستلزمات حياته، مما يدعوه للتواجد في اللاشعور ضمن الطاقة السالبة، أيضاً حينما تدخل إلى المعابد الروحية فإنك تشعر بالطاقة الروحية الإيجابية العالية، بكونك تدخلها بحالة الصفاء، متخلصاً من طاقة السلبي، والغاية شحن ذاتك بالطاقة الإيجابية، لأنك تسعى لشحن ذاتك، لذلك تجد أن غالبية الأبنية الروحية قامت على قواعد ذات أربعة أو ثمانية أضلاع، والشواهد ظاهرة في أبراج الكنائس، وقواعد الأهرامات، وأضلاع المآذن والقباب الداخلية، فالربع يعني التكوين، والمثمنة تعني السيطرة الإيجابية، وعكسها يعني الطاقة السلبية، هنا أتوقف لأسأل سؤالاً : ما الذي يحدد نوعية الطاقة المسقطة؟ وأجيب، مؤكداً نوعية الأنشطة التي تقام داخل هذه الأبنية، وعندما يتعلق الأمر بقيادة الأبنية الإدارية الوظيفية مثال: البنتاغون، البيت الأبيض، الإليزيه، الكريملين، مجالس العموم البريطانية، المسلات المسمارية المنتشرة في ساحات الغرب، وأبنية النخبة الخاصة، نتأكد بأن الكثير من أنشطتها تقوم على مبدأ إسقاط الطاقة السلبية على المجموع، وتسخيرها من أجل السيطرة عليها، لذلك نجد أن الأبنية التي تمتلكها النخبة تستخدم ما يسمّى بالأشكال الهندسية المقدسة، فتُصمّم هياكلها على نظم البوابات النجمية، وخبرة العرافة، ومنافذ التبصّر بها، فكرة توارثتها أجيال البحث؛ التي يتم اختيارها من أجل أن تتملك المال، وبه تسيطر على الشعوب.
من كل ذلك نفهم السبب وراء تصميم تلك الأبنية، والعلاقة ما بين مفهوم الطاقة، والعمارة، والذات الإنسانية، والغاية من كل ذلك فهم نظام بناء العالم الجديد، وأدواته تحليل الطاقة الإيجابية، أي: إعادتها إلى نظام تكوينه، وبثّ السالب من الطاقة؛ التي تتشكل من العالم السفلي بصور من الشرّ متنوعة: كالجنس بأنواعه، تفكيك المعتقدات الروحية ونظمها الراقية وتحويلها إلى لغة مشكوك فيها، المخدرات، نشر الأدوية الوهمية للأمراض الاصطناعية، الأجهزة الأمنية وإشغالها بمتابعة كل ذلك، الجيوش التي تحتاج إلى سلاح وتحديثه بين الفينة والأخرى، واختباره بالحروب المبرمجة، وبؤر تُزرع بالمكر والفتن بين مجموعات الدول تبثّ الرعب لمحيطها بشكل دائم، أي: طاقة سلبية خطرة جداً، كمثل الكيان الصهيوني في فلسطين ضمن الشرق الأوسط، تايوان في جنوب شرق آسيا، زنبابوي وإريتريا وساقية الذهب في إفريقيا، هايتي وكولومبيا والإكوادور والبراغوي في أميركا اللاتينية، منظمات تحمل أسماء حقوق الإنسان، والمساعدات الدولية، وبعثات التنقيب والاستكشاف والآثار، وجميعها تنضوي تحت منظومة الأمم المتحدة التي تسيطر عليها دول القبضة، أي الخمس، ودول الاقتصاد السبع زائد واحد، محدثة السيطرة على العالم الجديد؛ الذي تسوده لغة قوة المال، ودون ذلك لا قوى ولا وجود ولا حياة، عالم جديد بشري لا إنساني، يؤمن ببدء الشرّ، لا بمنظومة السلوك الأخلاقي؛ الذي أوجده الإنسان علمياً، ومعرفياً، وفهمياً، وثقافياً، من يحلم به ويخترقه ينتهِ.
عالم جديد، أوجد الحواجز والحدود، والأسلاك الشائكة، والقيود والمتابعة والملاحقة لكل جديد، كي لا يفقد السيطرة عليه، فإمّا أن يكون وإما أن يكون الجميع عليه.  
د.نبيل طعمة