الاستراتيجية الوطنية لإدارة ومكافحة حرائق الغابات أصيبت ببعض الحروق

الاستراتيجية الوطنية لإدارة ومكافحة حرائق الغابات أصيبت ببعض الحروق

الأزمنة

الأحد، ٥ يوليو ٢٠٠٩

 على ما يبدو أن هناك عهد شرف موقع بالدم والنار بين الحرائق وغاباتنا, عهد لم ولن تفرقه مياه الصهاريج ولا كيماويات الطائرات ولا أرواح رجال الإطفاء.

عهد يتسلق على نقاط الضعف في استراتيجيتنا في أساليب وطرق التفاعل مع الحرائق .

الجهات ذات الصلة تحزم أنها فعلت الكثير والنيران تبرهن أنها تستطيع فعل الأكثر, والسؤال من نصدّق, فالسيف أصدق إنباء من الكتب ؟, ماهي أسباب الحرائق التي تكاثرت في غاباتنا ؟, ماذا فعلت الجهات المعنية ؟,لماذا الأرقام الرسمية للمساحات المحروقة أخفض من المساحات الفعلية، ولماذا لا تقال الأرقام الفعلية ويبقى الجواب في مكانٍ آخر, إلى أين تسير غاباتنا ؟.

 

 

تحتل مساحة الغابات 2،7 % من مساحة سورية البالغة 185 مليون كم2 و(0،5%) من مساحة الغابات في الوطن العربي والتي تقدر بـ 89 مليون كم2، 

وتعتبر سورية من البلاد الفقيرة نسبياً بالغابات الطبيعية حيث تبلغ مساحة الغابات فيها 503 آلاف هكتار تتوزع على 233 ألف هكتار غابات طبيعية وأحراج جبلية و270 ألف هكتار تحريج اصطناعي، وعلى الرغم من انخفاض المساحة الحراجية من 10% من مساحة سورية إلى 2،5 % نتيجة الرعي الجائر والحرائق والاحتطاب فلا تزال الحرائق تعتبر الفاعل الرئيسي المدمر لغاباتنا الطبيعية خلال العقود السابقة ولا تزال الحرائق تطال غاباتنا خراباً وتدميراً نظراً لما تسببه من أضرار اقتصادية وبيئية فادحة بقضائها على النباتات الحراجية الفريدة والبرية النادرة, حيث تتميز الغابات السورية بتدني نسبة الكثافة الشجرية في وحدة المساحة باستثناء بعض الغابات في سلسلة الجبال الساحلية، وتحتل محافظة اللاذقية النسبة الأكبر من الغابات الطبيعية حيث تبلغ مساحة الغابات فيها 67،37 ألف هكتار وهذا يشكل 28،94%من مجمل الأحراج الطبيعية وتأتي بعدها محافظة حماة حيث تحتل نسبة 18،76 % من مجمل الغابات وتصل مساحة الغابات فيها لـ 43،69 ألف هكتار ثم محافظة إدلب بنسبة 18،09%بالمرتبة الثالثة، أما محافظة طرطوس تشكل نسبة 25% من مجمل المساحات. 

 

 

حرب الهكتارات 

إن مجموع الحرائق التي حدثت خلال ست السنوات الأخيرة تجاوز 1915 حريقاً قضت على مساحة 5399 هكتاراً وبحساب لمعدل عدد الحرائق سنوياً نجده بحدود 380 حريقاً في العام ووسطياً يحدث حريق يومياً يقضي على أكثر من هكتارين من الغابات الطبيعية في اليوم الواحد.

وقضت حرائق الغابات في سورية على مساحته تجاوزت 5993 هكتاراً خلال أقل من تسع سنوات، فالحرائق جعلت الوضع في سورية يدخل مرحلة الخطر حيث إن مساحة الغابات انخفضت من 15.3 % من مساحة سورية إلى 2.3 %

والعجيب أن إحصائيات الحرائق تشير إلى أن 40-70%من حرائق الغابات تبقى مجهولة لأسباب فيما يُعتقد أن القسم الأكبر منها مفتعل من قبل أشخاص، أما الحرائٍق المقصودة فتشكل نسبة تتراوح بين 6%-53.38%حسب المحافظة فمثلاً في محافظة طرطوس شكل 53.38 % من الحرائق المقصودة، أما في محافظة اللاذقية 10% منها مقصودة وفي حماة مثلاً 24% من الحرائق مقصودة وبالنسبة للحرائق الناتجة عن التحريق الزراعي فقد شكلت 27%من حرائق محافظة اللاذقية و 36.4% من حرائق محافظة إدلب أما الحرائق الناتجة عن الإهمال فلم تتجاوز 11% في محافظتي اللاذقية وإدلب وبالنسبة للتدخين فقد شكل حوالي 22%من حرائق الغابات أما الحرائق الناتجة عن البرق فلم تتعد 1% في شتى المحافظات وبالنسبة للسياح فأغلب المحافظات تفتقر لإحصائيات توضح الحرائق الناجمة عنهم باستثناء محافظة اللاذقية حيث تشكل الحرائق الناجمة عن إساءة استعمال السياح النار في الغابة 76% فيما تتسبب أسلاك الكهرباء بحدوث حوالي 2% من الحرائق. 

ماذا فعلوا ؟

في الوقت التي تتناقص فيه مساحات غاباتنا نتيجة الحرائق المتزايدة عدداً ومساحة

تعمل وزارة الزراعة على زيادة الرقعة الخضراء؛ التي تجاوزت حالياً نصف مليون هكتار منها 233 ألف هكتار غابات طبيعية تتمركز في الجبال الساحلية والباقي غابات صناعية تعمل على حمايتها من التعدي والحرائق من خلال إنشاء مراكز متخصصة بحماية الغابات، والتوسع في إقامة أبراج المراقبة والتوسع في شبكة الاتصالات وتحسينها وتأمين وسائط النقل الخاصة بالعمال وزيادة عدد الصهاريج المستخدمة في الإطفاء، ودعم مكافحة حرائق الغابات بالحوامات المتخصصة بإطفاء الحرائق وتم رفد الحراج بخمس حوامات لهذا الهدف, فقد تم بناء أبراج مراقبة للكشف عن الحرائق موزعة في مناطق الغابات الطبيعية والاصطناعية وعددها 75 برجاً، وقامت ببناء 16 مركزاً للإطفاء موزعة في المحافظات ضمن المواقع الحراجية وقد تم وضع 31 صهريج إطفاء وزعت على محافظات اللاذقية وطرطوس وإدلب وتم تجهيز 46 صهريج إطفاء و12 صهريج تغذية و50 صهريج سقاية أيضاً, وتم تشكيل فرق مؤقتة لمكافحة حرائق الغابات خلال موسم الصيف موزعة في مواقع الغابات إضافة إلى عمال المراكز الدائمين لحماية الغابات، فضلاً عن تأمين وجود حراسة للمواقع الحراجية إضافة لوجود مخافر حراجية تقيم بها عناصر الضابطة الحراجية لتنفيذ أحكام قانون الحراج وقمع التعديات. 

 

وقد تم تخصيص رقم 188 للاتصال المجاني للإبلاغ عن نشوب حرائق

وتم تأمين 5 حوامات تستثمر للمشاركة والمساعدة في إخماد الحرائق بالتعاون مع قيادة القوى الجوية للمشاركة في إخماد الحرائق.

إضافة لاستخدام آليات التشجير المثمر بلدوزرات- تراكسات- بواكر لاستخدامها حين الحاجة, كما وتحاول الزراعة الإفادة من تجارب دول الجوار, فنظراً للتشابه الكبير لأسباب الحرائق في سورية وتركيا ,حصلت العديد من اللقاءات بين الجانبين السوري والتركي بغية نقل نظام إطفاء الحرائق المتطور في تركيا إلى سورية واستقدام التقنيات والتكنولوجيا في هذا المجال الذي يعتمد على أنظمة المراقبة المركزية ونظام الـGIPS والطائرات والسيارات وكيفية تطبيقه في سورية,وكذلك إمكانية مداخلة طائرات إطفاء الحرائق من الجانبين دون الرجوع إلى الجهات الرسمية المختصة , ويتم حالياً التعاون مع بعض المنظمات لإيجاد السياسة الحراجية، ومن أجل تنمية وتطوير الثروة الحراجية بشكل مستدام والحفاظ على الموارد وحماية وتنمية المصادر الوراثية والتنوع الحيوي .

الأسباب

 

هناك عدد متزايد للحرائق التي لاتحمل أهدافاً نفعية وإنما بهدف الدمار فقط حيث تشعل هذه النيران لعدد من الأسباب بما في ذلك الانتقام الشخصي والخلافات على الملكية و بعض الحرائق مفتعلة من أجل الفحم, أي أنه بعد إخماد الحريق يقوم بعض التجار باستثمار الموقع لقاء مبالغ تتفاوت حسب المساحة, في وقت لايبخل المستثمر الجديد على المعنيين الذين يساندونه في الفوز بالاستثمار الجديد ببعض من الشكر والامتنان المادي .

كما ويرى البعض أن الرعاة هم أحد الأسباب الهامة للحرائق حيث يقومون بإشعال الغابات وأراضي الأعشاب لتشجيع ظهور نموات جديدة من أجل رعي حيواناتهم، عندما يتم هذا الإجراء من دون اتخاذ الاحتياطات الضرورية، ويتزامن مع مناخ عالي الخطورة ( مناسب جداً للحرائق) تكون النتيجة الحتمية حرق الغابة المجاورة.

أيضاً بعد استخدام المزارعين للنيران لإزالة بقايا المحاصيل وتقليص مساحات الغابة من أجل التوسع الزراعي يعد أحد الأسباب الرئيسية لحرائق الغابات حيث تمتد الحرائق من الأراضي الزراعية إلى الغابات المجاورة.

يحدث ذلك في وقت يُظهر السكان المتحضرين ( سكان المدن) قدراً ضئيلاً من الفهم لأخطار الحرائق ولعواقبها السلبية، بالرغم من الحملات الإعلامية المستمرة حول مخاطر حرائق الغابات، تتسبب اللامبالاة من قبل المدخنين والمصطافين الذين يقومون بإشعال النيران ضمن الغابات من أجل تحضير الطعام بحوالي ثلث حرائق الغابات.

تأثير الحرائق

 

قالوا إنها تأكل ولا تشبع, بالفعل يمكن للحرائق خلال فترة قصيرة تمتد من عدة دقائق لعدة ساعات أن تلتهم نيرانها غابةً خضراء وتحولها إلى رماد مؤدية لزوال الغطاء النباتي، وتأذن بالتالي لمرحلة تتعرض فيها التربة للتعرية والتدهور وفقدان الخصوبة وينجم عنها تغير في خواص الموقع وتأثير الموارد المائية والبنى التحتية، وتؤدي أيضاً للقضاء على بعض الحيوانات الأليفة والبرية وغيرها، أضف لذلك ما قد تسببه الحرائق في بعض الحالات من وفاة العديد من السكان المحليين ورجال الإطفاء وعناصر الدفاع المدني. 

والمؤسف أن الأرقام المتوفرة حول أعداد الحرائق والمساحات المحروقة غير دقيقة ولا يمكن الاعتماد عليها لتوضيح الصورة الكاملة للحرائق في سورية، حيث تبين عند التدقيق بالمساحات المحروقة أن المساحات الفعلية أكبر بكثير من الأرقام المعتمدة رسمياً، فمثال على ذلك حريق البسيط عام 2004 حيث كان الرقم الرسمي لمساحة هذا الحريق هو أقل من 2000 هكتار فيما الرقم الفعلي هو حوالي 3900 هكتار كما هو مثبت في أطروحة ماجستير في النصف الثاني من العام 2008 وحريق الربيعة عام 2007 بمفرده التهم أكثر من 3000 هكتار بينما مصادر مديرية الحراج تقدر المساحات المحترقة منه بـ1500 هكتار وحريق كسب الذي حدث العام 2007 التهم أكثر من 2000 هكتار بينما تقدر مصادر وزارة الزراعة المساحة التي أتى عليها بـ 520 هكتار، والسؤال المشروع هنا , مامعنى إخفاء الأرقام الحقيقية, وهل الأمر مقصود أم سوء تقدير وتدبير؟.

تشريعات متخصصة

يوجد تشريع واحد متخصص بحرائق الغابات، وهو القرار الوزاري رقم 41/ت تاريخ 28/10/2000 القاضي بإحداث دائرة في مديرية الحراج المركزية يتبعها شُعب في مصالح الحراج في المحافظات تعنى بترميم الغابات المتدهورة والمحروقة.

وهناك تشريعات متعلقة بالغابات ولكنها تتعامل مع موضوع الحرائق:

في هذا الإطار يوجد قانون الحراج رقم 7 لعام 1994 حيث تتعامل العديد من مواده بشكل مباشر أو غير مباشر مع موضوع الحرائق، وفيما يلي هذه المواد:

المادة 21: حراج الدولة ثروة قومية لايجوز التصرف بها أو تقليص رقعتها من قبل أي جهة كانت إلا وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة، تشمل هذه المادة ضمناً منع إشعال النيران في الغابات. المادة 22: يحظر حمل النار أو إضرامها خارج المساكن والأبنية المستخدمة ضمن حدود حراج الدولة وفي خارجها حتى مسافة تبعد مئتي متر من كل حد من حدودها.

المادة 23: يجب أن تحاط المساكن والأبنية الواقعة داخل حراج الدولة أو على بعد مئتي متر منها والتي تشعل النار فيها لحاجات عائلية أو صناعية بفسحة من الأرض عرضها خمسون متراً خالية من الشوك والعشب والأشجار الصمغية. يجب أن تبقى الفسحة دائماً بحالة نظيفة وألاّ يترك فيها شيء من المواد القابلة للاشتعال.

المادة 24: لايسمح باستعمال النار في الخيم والمضارب والورش والمصانع والإنشاءات المؤقتة داخل حراج الدولة أو على مسافة أقل من مئتي متر من حدودها إلا لأجل طهي الأطعمة والتدفئة وفي هذه الحال يجب اتخاذ التدابير الكافية لعدم حصول حريق في الحراج

 

أخيراً

 

ووفقاً للأبحاث العلمية لمنظمة الزراعة والأغذية الفاو التابعة للأمم المتحدة فإن العنصر البشري هو المسبب الأكثر من 90 بالمئة من حرائق الغابات بعضها بسبب الخطأ والآخر لأسباب إجرامية، كما أنه هناك عوامل مناخية تساعد في حدوث الحرائق كالصيف الطويل والرياح الصيفية التي تساهم بزيادة الجفاف، إضافة لانتشار الحرائق بشكل رأسي والنبات الحراجي الذي يشكل الوقود الطبيعي للحريق كالصنوبر الذي يشكل القسم الأكبر من الغابات السورية الطبيعية المتواجدة في محافظات اللاذقية وإدلب وحماة ويعتبر من النباتات الأليفة للنار بسبب قابليتها للاشتعال .

لكن هل يعني أن نستسلم للأسباب ؟, ونقول إنه وبالرغم من الخطوات والإجراءات التي تبذلها وزارة الزراعة والتي تعتبر واعدة في موضوع معالجة الحد من حرائق الغابات، وعلى الرغم من وضع استراتيجية وطنية لإدارة ومكافحة حرائق الغابات ضمن مشروع الإدارة المتكاملة لحرائق الغابات المعتمد على النهج التشاركي الممول من قبل الحكومة الإيطالية وبتنفيذ ومساعدة منظمة الأغذية والزراعة الفاو التابعة للأمم المتحدة، إلا أن الحرائق مازالت مستمرة في الحدوث والمساحات التي تلتهمها مازالت في ازدياد, إذاً هناك تقصير في مكان ما فالإمكانيات اللازمة لمعرفة أسباب غالبية الحرائق موجودة حيث تم تدريب العديد من الحراجيين على طريقة القيام بذلك ضمن فعاليات مشروع الإدارة المتكاملة لحرائق الغابات بالنهج التشاركي الذي أنجز مؤخراً, وهنا يتساءل البعض لماذا لانقوم بتحديد الأسباب الفعلية لحرائق الغابات مع إمكانية ذلك بدلاً من إلصاق التهم دائماً بأسلاك الكهرباء, ولماذا لاتطبق الفقرة م من المادة 19 من قانون الحراج رقم 25 للعام 2007 والتي تنص صراحة على أن حراج الدولة ثروة وطنية لايجوز التصرف بها أو تقليص رقعتها من قبل أي جهة كانت ويمنع بوجه خاص تمديد خطوط المياه أو الكهرباء أو الهاتف أو فتح الأقنية والمجاري والشوارع والطرقات في أراضي حراج الدولة إلا بموافقة الوزير.

 

فهيم يوسف