استقراء في المجموعة القصصية "درة" لمالك صقور

استقراء في المجموعة القصصية "درة" لمالك صقور

ثقافة

الثلاثاء، ١٨ نوفمبر ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
لم يكن الكاتب مالك صقور في مجموعته القصصية "درة" تقليدياً لأنه ألم بالجوانب المكونة للقص. فاعتمد الأسس وترك الأحداث وطرقها حتى تصل إلى نهايات تترك أثراً نفسياً عند القارئ.. في قصته درة يعتمد على الأسطورة وقد تكون هذه الأسطورة مكونة بأجزائها من حقائق أحياناً.. بمعنى أن التراث جاء واضحاً في منعطفات القصة التي أرادها أن تكون نموذجاً أخلاقياً تقدم شيئاً لمجتمع كثرت زلاته.. فالأمير في القصة يصر على أن يجب درة ودرة تحب الأستاذ وخلاصة ما يجري أن درة تتحمل نتائج الأسى.. فالكاتب يريد أن يخلص درة لأنّها بطلة القصة ومحور أحداثها وماهية العقدة الماثلة في العمل الفني ولأنها معنوياً مثال المرأة الناجحة في المجتمع, فجاء بحالة تشبه حالات التاريخ حيث قدمت درة لغزاً للأمير وإذا حله الأمير تتزوج منه.. فهل سيعرف الأمير كيف يملح إذا فسد الملح؟؟.. ليأتي أحد أفراد القبيلة– فيقول له: إذا فسد الملح فالرجال هم أفضل بديل فدرة تعنيك أنت يا أمير وإن فسدت فكيف يفعل الآخرون؟.. وهذا ما دفع الأمير كي يفكر ملياً نتيجة تلك الصدمة التي أوجدتها فتاة قوية ولماحة.
تدخل في القصة وفي القصص الأخرى حركة الحدث فتصل إلى الحبكة بأسلوب سهل جداً إلا أنه ممتنع لأنه يوحّد بين الأسس والمتشعبات والمنعطفات ويضع القارئ أمام انكماش وحذر ليتابع دون توقف.. فالحدث يتفجر منذ الكلمات الأولى في القصة القصيرة حيث يبدأ بعبارة جاؤوا يسألون عن أبي.. تأخروا/..
إلى أن يصل بالألفاظ المكونة للتعبير ليذكر بيوم النكسة ويجعل هذا اليوم عبارة عن صدمة يجب الوقوف أمامها كثيراً لأنّ بطلة القصة ربطت كافة مصائبها بهذا اليوم حتى يوم الفرح في حياتها عندما خطبت صادف بنفس اليوم الذي كانت به النكسة وهكذا نجد كيف حملت القصة دلالة معنوية أبعدتها عن المباشرة برغم سهولة التعاطي مع التعبير وجعلت من الدلالة ناقوساً يؤشر على الخطر وإن كانت قد اختلفت قصة الطويل والقصير في المعنى وفي استخدام البيئة والزمان والمكان في الاعتماد على الواقع إلا أن الوسيلة تدل على هوية ثابتة في القص عند مالك صقور حتى ولو حاول أن يتجاوزها قليلاً كما في قصة "وقال البحر" إلا أنّ التوازن النفسي المكون من ثقافات مختلفة يؤدي للحفاظ على الهوية بشكل ثابت مرتكز على ثقافة تؤسس له.
وفي المجموعة يعتمد مالك صقور استخدام الشخصية القصصية بشكل مغاير فيحركها بخبرة فائقة تظهر عفويتها.. وهذا يشي بمقدرته على التحكم بتحولاته النفسية وأدائها ففي قصته - أبا حيان لن أحرق كتبي – يتجلى الكاتب ويتقمص شخصية البطل ثم يمحور الأحداث حوله أما في قصة "أربعون عاماً بين لحظتين" يمزج بين أسلوبين كزهرة اللوتس تأخذ شخصية الراوي أو الكاتب ثم تتعامل مع المجتمع بأسلوب سردي آخر يعتمد على تحويل المخاطب إلى الغائب كقولها.. أنا زهرة اللوتس – قولوا له – ثم يتدخل الكاتب وتتوحد الشخصيات الثلاث في الخطاب وينتج حديث البطل والمجتمع والكاتب وبذلك نجد أن كل ما يرمي إليه الكاتب في القصص الماضية إضافة إلى قصة الأرض هو الحفاظ على كينونة مجتمعنا وأخلاقه وكرامته وإن اختلفت معاني المواضيع فالنتيجة واحدة وأسلوب القص متقارب جداً في التعامل مع القصص التي وصل إلى إبداع وابتكار كلّف الكاتب عصارة خبرات وهذا يدل على شكل من أشكال وجود الموهبة التي تمكنت من صناعة رؤية واحدة بعد أن تثقفت بمختلف أحداثها من بيئات مختلفة من أراضي سورية.