حكايا الطوابع السورية..الطوابع التي صدرت زمن رئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسني

حكايا الطوابع السورية..الطوابع التي صدرت زمن رئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسني

ثقافة

الأحد، ١٩ سبتمبر ٢٠١٠


طوابع سورية استخدمت في سورية ولبنان


أرّخت الطوابع السورية جزءاً من تاريخ سورية في عهد الرئيس الشيخ تاج الدين الحسني، وعهد الشيخ الحسني مملوء بالأحداث الكبيرة وأهمها إعلان استقلال سورية، والشيخ تاج بحد ذاته كان شخصية جمعت حولها الضدين، فهو الوطني برأي البعض وبرأي البعض الآخر هو على قائمة الانتداب الفرنسي؟!
الطوابع وثقت لنا أحداثاً معينة جرت زمن الرئيس تاج الدين، نحاول من خلالها إلقاء الضوء على جوانب بسيطة من تلك المرحلة.
من هو الشيخ تاج:
الشيخ محمد تاج الدين الحسني هو رجل الدين والسياسة الدمشقي المولد والنشأة المراكشي الأصل، ولد بدمشق سنة 1890م. والده الشيخ محمد بدر الدين الحسني، محدث الديار الشامية الأكبر، انتخب تاج الدين عضواً في المؤتمر السوري عام 1919، كما عيّنه الملك فيصل سنة 1920م مديراً عاماً للأمور العلمية في دائرة كانت مرجعاً أعلى لدوائر الأوقاف والفتوى والمحاكم الشرعية والخط الحجازي، عين في بداية الانتداب الفرنسي عضواً في مجلس الشورى، ثم في محكمة التمييز، وبعد ذلك صار قاضياً شرعياً، ثم رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للداخلية في 14 شباط 1928م بالقرار رقم 1812 تاريخ14/2/1928 الصادر عن المفوض السامي المسيو هنري بونسو، في بداية عهده أصدر عفواً عن السجناء السياسيين مستثنياً ما يزيد عن 70 شخصاً منهم كبار الزعماء الوطنيين" الشهبندر، القوتلي، الأطرش، عادل العظمة، شكيب أرسلان... " مما جعل الشعب يقوم بالإضرابات، ونعتوا هذا العفو بـ( العفو الأعرج) وقيل إن سبب ذلك الإشارة  إلى العرج المصاب به الرئيس تاج الدين، وبعد مدة من حكمه، أقنع تاج الدين الفرنسيين بضرورة انتخاب جمعية تأسيسية (مجلس نواب) تضع دستوراً للبلاد، وعلى إثر ذلك جرت انتخابات الجمعية التأسيسية، وعملت الجمعية على وضع دستور للبلاد، لم توافق عليه سلطات الانتداب، فقامت المظاهرات والإضرابات في كافة أنحاء سورية، ثم لم يلبث أن أصدر المفوض الفرنسي بإرادته المنفردة الدستور السوري بتاريخ 14أيار عام1930 بعد أن أضاف عليه المادة (116) التي عطلت جوهره، مما جعل الأوضاع تزداد اضطراباً. فأصدرت حكومة الانتداب بتاريخ 19-11-1931 قراراً بإنهاء حكومة تاج الدين الحسني.
في سنة 1934 وعلى إثر المظاهرات والاضطرابات التي رفضت معاهدة السلم والصداقة بين فرنسا وسورية، دعي الشيخ تاج الدين إلى تشكيل حكومة جديدة، بقي على رأسها حتى عام 1936، اتصفت هذه الفترة من حكم الشيخ تاج بالمظاهرات والإضرابات التي كانت تعم أرجاء سورية، قدم استقالته بعد أن تأزم الوضع، وكثرت الاعتقالات، وأقام في باريس، وبقي فيها  إلى قيام الحرب العالمية الثانية ثم رجع  إلى دمشق.
في 12 أيلول1941 عُين رئيساً للجمهورية السورية، وفي 27 أيلول1941، ونتيجة لنضال الشعب السوري اضطرت فرنسا إلى الإعلان عن استقلال سورية.
توفي الشيخ تاج في 17 كانون ثاني سنة 1943 صريع مرض مفاجئ حار فيه الأطباء، وأثارت الصحافة الشكوك من حوله  إلى حد القول إنه مات مسموماً، اتهم الشيخ تاج بالموالاة للانتداب الفرنسي وأنه صنيعة الفرنسيين، ولكن لماّ سُئل فارس الخوري عن صحة ذلك قال بذكائه المعهود: ( لم يكن تاج الدين كذلك، ولكنه كان وطنياً سورية مخلصاً وعاملاً باراً في الحقل العام.. إلا أنه كان يختلف عنا معشر رجال الكتلة بالاجتهاد، فيقول ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن، ولذا فإنه كان يتظاهر بالتفاني بصداقته للفرنسيين لجلب أكبر نفع لبلاده، ودرء ما يمكنه درؤه من الضرر، إضافة  إلى أنه كان عمرانياً كبيراً خلّف آثاراً كثيرة في مختلف أنحاء الوطن السوري ناطقة بفضله).

إعلان استقلال سورية
استطاعت قوات الجنرال الفرنسي شارل ديغول المدعومة من القوات الإنكليزية (قوات الحلفاء) في الحرب العالمية الثانية من الانتصار على قوات فيشي (قوات المحور - ألمانيا وإيطاليا واليابان)، ودخول دمشق، فقام الفرنسيون الديغوليون بطرد الفيشيين من سورية وحلّوا مكانهم، وكان ديغول قبل دخوله دمشق قد عين الجنرال كاترو مندوباً فرنسياً عاماً ومفوضاً مطلق الصلاحية في بلاد المشرق، وأصدر كاترو قبل دخوله دمشق في 8 حزيران 1941 بياناً باسم الجنرال ديغول إلى السوريين واللبنانيين أعلن فيه: " أن فرنسا بصوت أبنائها الذين يحاربون من أجل حياتهم ومن أجل حرية العالم تعلن استقلالكم "، ولكن مع الأسف ظل هذا البيان شكلياً؟!
نصّب الجنرال كاترو الشيخ تاج الدين الحسني على سدة الحكم في سورية ومنحه لقب رئيس الجمهورية بموجب كتاب أرسله إليه بتاريخ 12 حزيران 1941 جاء فيه: " اقترح على فخامتكم أن تتسلموا مقدرات سورية متخذين لقب رئيس الجمهورية السورية مع الميزات والواجبات المترتبة على هذا اللقب وأن تؤلفوا بهذه الصفة حكومة الدولة في أسرع ما يمكن من الوقت " وفي نفس اليوم أرسل الشيخ تاج كتاباً للجنرال كاترو بقبول رئاسة الجمهورية وأصدر أيضاً في اليوم نفسه بياناً إلى الشعب السوري بمناسب استلامه مهامه الجديدة. وفي يوم السبت الواقع في 27 حزيران 1941 تم الاحتفال بإعلان استقلال سورية في سراي الحكومة " مبنى وزارة الداخلية الآن " حضره الشيخ تاج الدين رئيس الجمهورية والجنرال كاترو وعدد من ضباط الانتداب، وأعضاء السلك القنصلي والرؤساء الروحيون للطوائف المختلفة وجمهور غفير من المواطنين، ألقى خلاله الجنرال كاترو بياناً آخر حول استقلال البلاد السورية إذ اشترط فيه أن تخضع حقوق وامتيازات البلاد للقيود التي تفرضها حالة الحرب وأمن البلاد وسلامة الجيوش المتحالفة. أي أن هذا الاستقلال معلق  إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية؟! فقد جاء في هذا البيان الذي ألقاه كاترو: "تتمتع سورية بالحقوق والميزات التي تتمتع بها الدول المستقلة ذات السيادة. ولا تخضع هذه الحقوق والميزات إلاّ للقيود التي تفرضها حالة الحرب الحاضرة، وأمن البلاد، وسلامة الجيوش المتحالفة.؟! " ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، حاولت فرنسا أن تعيد سيطرتها الاستعمارية على البلاد السورية وأخذت تماطل في تسليم كافة السلطات للحكومة السورية، فاندلعت الاضطرابات في كافة أنحاء الوطن السوري لتأكيد حق الشعب السوري في الاستقلال التام والناجز، فقامت فرنسا بارتكاب المجازر بحق السكان الآمنين، وأنزلت قواتها  إلى الشوارع، وقصفت الأحياء السكنية والمدن بالطائرات... ومهما يكن فقد كان عام 1941 نقطة البدء في ظهور سورية ضمن المجتمع الدولي كدولة مستقلة.

الطوابع:
صدر خلال عهد تولي الشيخ تاج الدين الحسني سدة الحكم مجموعة طوابع أغلبها يحمل رسماً أو صورة له، كطابع توليه الرئاسة، وطابع إعلان استقلال سورية، صدر الطابع التذكاري لتوليته سدة الحكم بعدة ألوان ويحمل صورته وبقيم مادية مختلفة منها قرش ونصف وستة قروش وعشرة قروش، طبع عليه اسم الجمهورية السورية باللغتين العربية والفرنسية، وفي الزاوية اليمنى في الأعلى طبع كلمة بريد بالعربية وفي الجهة المقابلة بالفرنسية، ظهر هذا الطابع بصورتين مختلفتين للشيخ تاج ولكنهما متشابهتان، الصورة الأولى وهي نصفية يظهر فيها معتمراً الطربوش " الديني " ويضع على صدره الوشاح وقد وضع مجموعة أوسمة على طرف بزته الأيمن، أما المجموعة الأخرى من الطوابع فكانت جانبية يضع فيها الوشاح والأوسمة ولكنه لا يعتمر الطربوش.
أما مجموعة طوابع ذكرى إعلان استقلال سورية فصدرت أيضاً بألوان عديدة وقيم مادية مختلفة منها نصف قرش، قرش ونصف، ستة قروش، عشرة قروش، خمسون قرشاً، طبع عليها صورة نصفية للشيخ تاج بحيث يظهر رأسه وجزء من جسمه وخلفه مدينة دمشق، وأيضاً اختار القيمون على طباعة هذه المجموعة من الطوابع صورتين له الأولى يعتمر فيها الطربوش الديني والأخرى بدونه والصورة التي من دون طربوش طبع عليها صورة طائرة " ويبدو ذلك بقصد الاستخدام الجوي ". والملفت للنظر أن هذه الطوابع السورية استخدمت في سورية ولبنان " كما يظهر في الصورة المرافقة ".
كانت الطوابع السورية واللبنانية زمن الانتداب الفرنسي تطبع وتصمم في فرنسا، ومن ثم وبسبب الحرب العالمية الثانية قررت المفوضية الفرنسية العليا " مقرها في بيروت " والحكومة السورية طبع الطوابع السورية واللبنانية في المطبعة الكاثوليكية (اليسوعية) في بيروت بسبب ظروف الحرب وانقطاع المواصلات مع الخارج. إلا أن المطبعة اليسوعية اشترطت أن تتولى هي مهمة القيام بهذا العمل كاملاً بما فيه التصميم نفسه وذلك لأنها متعاقدة مع أحد الفنانين الروس وهو (ب. كورو ليف P. Koroleff) وافقت المفوضية على ذلك، وكان أول طابع بريدي سوري طبع فيها عام 1942م وهو يحمل صورة رئيس الجمهورية السورية الشيخ تاج الدين الحسني.
يتبع

 

شمس الدين العجلاني - أثينا             
alajlani. shams@hotmail. com