الخيرية بين الدين والإنسان.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

الخيرية بين الدين والإنسان.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٣ مايو ٢٠١٥

قدَر هذه الأمة الرباني المخصص لها أن وجودها الحضاري الحر العزيز لن يكون مرهوناً محققاً إلا بالدين، وإن الاصطفاء لها لتتحمل مسؤولية هذه الرسالة والأمانة قد تشرف بأعظم البشر وبأكرم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وهو العربي القرشي، وهو خيار من خيار من خيار، وقد عرفت هذه الأمة المعرفة العالمية الحضارية بعد نزول الوحي والقرآن وما كان فيه من: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وفيه: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)، ومما جاء على لسان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كنا أذل أمة في الجاهلية فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا بغيره عزاً أذلنا الله)، ولقد سعت هذه الأمة وهي مشتتة متفرقة إلى النهوض بالاستعانة بمناهج الآخرين والغرباء عن معطيات دينها واجتهدت في التلبس ببرامجهم بأي سبيل ولو أدى ذلك إلى الكفر والعلمانية الإلحادية، وخصوصاً في القرن الأخير؛ فماذا حصدت؟ وماذا عوّضت؟ وهل حالها اليوم وهي منهبة مسلوبة إما بأراضيها أو بطاقاتها أو بسياساتها أو بأخلاقها وضمائرها- يمكن أن تُوصف به على أنها أمة متحررة أو هي قادرة على أن تحمي وتحفظ ما بقي لها من بعض ماء الوجه؟ وهل نشهد أي أثر فيها إن كان على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الدول من آثار: (إنما المؤمنون إخوة) أو من: (وتعاونوا على البر والتقوى)، وهل ينطبق عليها الشطر الآخر حيث لم تنته بنهي: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، بل أليست النكسة الحقيقة التي نكست رؤوس هذه الأمة وقلبت مفاهيم شرفها وكرامتها إنما صرعتها ذلاً وخذلاناً عندما تغيرت معادلة قول الله تعالى فيها وقد شرّفها بالدين والقرآن: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) المائدة الآية 54، أمام هذه المفردات المقدسات؛ لنقوّم الأمة اليوم والأنفس وفق المجريات الحادثة: أين حقائق الحب المؤمن في الدين والقومية والإنسانية؟! وهل نحن أذلة على المؤمنين أم أعزة مستكبرين إلى جانب ذل وتذلل وإرضاء للأعداء الحقيقيين بشهادة التاريخ؟ وهل الجهاد عندنا اليوم ومكدسات الأسلحة الرهيبة التي يعجز الرقم عن الإحاطة بأثمانها – هو وهي- تعمل في سبيل الله أم تأتمر في عملها بأوامر شياطين العدوان والاستكبار أعداء الله والرسل والبشرية؟ أما الأخرى فقد ابتلانا الله تعالى بالخوف فلم يَعد أحد في تحالفات هذه الأمة المشلولة المشوهة بالرغم من معنى الحلف يأمن أو يثق بالآخر حتى انسحب ذلك على كل فرد فيها، ولم نعد نشهد أو نصدق أي تحقيق يمثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أَمِنه الناس على أنفسهم وأموالهم)، فهل نستطع أن نجرؤ أو نزعم أننا في الأمة ننعم جميعاً بأهم أركان الحرية؟ لقد فشلنا وأثبتنا ضعفنا وأهليتنا لاستعباد تكالب الأمم علينا في مستجدات الحوادث والتطورات في علوم الاجتماع وعلوم الاقتصاد وعلوم السياسة بالرغم من أننا – إن كنا جادين مجتهدين مؤمنين بإخلاص- نملك كل منطلقات الحضارة والتفوق والإمامة بين الأمم، أما إن دام الحال على ما يمرُّ وما يَشينُ ويُخزي فإن الهاوية هي المنتهى لا يحفظ منها إلا تلطفات إلهية بنا وبركات ربانية في صالحين هم ودائع مخبأة فيها.!، وإنه لن يتغير شيء اليوم وما بعده من واقع الحرية في عالمنا العربي والإسلامي حتى يتغير الفهم الغريب الطارئ عليها لأجل تصحيح العلاقة بين الدين والإنسان، ولن يضاء شيء من معاني الحرية حتى نطوّر مفهوماتنا عن الدولة الحديثة والمجتمع المتجدد.
(يتبع)