مطارحات في الحرية ومصادرات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

مطارحات في الحرية ومصادرات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ٧ مايو ٢٠١٥

إن مطارحات النخب الدينية في العالم العربي والإسلامي لم تتفق حتى اليوم في أفكارها على ثوابت قيم إنتاج الحرية ولا على الاطمئنان إلى مقومات وجودها أو إلى أولوياتها سواء في الحرية التكليفية الإيمانية والتشريعية أو في الحرية السياسية والشخصية، فانكشف عن ذلك طبيعياً شهوات هذه النخب الدينية والسياسية على احتكار مفاهيم الحرية تحت ذرائع عجز المجتمعات عن توفير الثقة في الاطمئنان، إلى سلامة إنتاجها والاطمئنان إلى عقلنتها وتقنيتها، لتصبح على هواها صوابية إدارتها، ما جعلنا ونحن تحت الرقابة الدقيقة على أضواء المجاهر الغربية والأميركية نكشف المستور من عجزنا وقصورنا لتنفتح أمام تلك الرقابة المتتابعة علينا شهية العولمة الأميركية الحديثة في العقود الأخيرة تحت شعارات قصور الأنظمة العربية والمراصد الإسلامية التقليدية غير المستبصرة والمجتهدة – خلافاً لما عليه الحقيقة في حيوية هذا الدين- تَظهر أو تُظهر لأهلها وللعالم عاجزة عن تحقيق برامج الإصلاح.
والديمقراطية بسبب تعطيل الحرية وفق نماذجها الغربية والأميركية، حيث تنضبط فيها القوانين وتحترم فيها حقوق الإنسان، ويعيش في أفيائها شعوب توافرت لها الكرامات، كما يوحون إلينا على فيضانات الحرية التي جعلوها في ثقافاتهم الغاية الأخيرة لحركة التاريخ..، وبدل أن تعمل البحوث الإسلامية على رد الاعتبار لأمانة منظور الاستخلاف الرباني للإنسان، تمادت في خلافاتها العقيمة على نظريات الخلافة والحكم والإدارة، حيث تمت التضحية العلنية بحقوق الإنسان لمصلحة حقوق السلطان- وهذا ما لم يكن في عهود الخلافة الرشيدة الراشدة وما تقارب منها ومعها-، وعلى هضبات ذلك لن ينفع ولن يشفع ما أُنتج من خطابات وبحوث معاصرة تكلفت المباهاة في أن الإسلام قد سبق الحضارة الغربية في تقديس حقوق الإنسان الثابتة في كتاب الله عزّ وجل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ما تبين من أمثلة تطرّف السلطة الدينية أو وجهات دينية ومذهبية وغيرها قد ذهبت بعيداً في تشويه تلك الحقوق ومصادرتها على الرغم من إجماعات الفقه الإسلامي على أن هذه الحقوق ليست مجرد حقوق فحسب، بل واجبات لا يحقّ لأحد التنازل عنها أو التفريط بها، حتى ولو كان حاكماً، فإنه لا يمكنه أن يستخرج برأيه من التشريع ما يخالف إطار خطوط المنهج الديني في هذه الحقوق، وإن في مفاهيم هذا التشريع الديني السديد أنه يصح أو يجب في بعض الأحيان التدخل في محفوظات حرية الفرد والتنازل عن شيء منها للآخر، إن لزم الأمر، أو دعت الضرورة، ولو كان الآخر إنساناً أو دولة أو مجتمعاً، كما هي قاعدة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وذلك لكي يَسْتقر أمن الحرية المفتوحة على أمن الوطن وسيادته من مثل تناول ما يزيد على مقادير زكاة أموال الأغنياء وتجاوز حقوقها المحددة إذا لم يكن ذلك كافياً لمصلحة أمن الوطن والمواطن ومصلحة سلامة المرافق والخدمات والحقوق العامة عند تحقق الحاجة أو الضرورة عن تثبتٍ ويقين، وقد حصل مثل ذلك في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووقع الناس في ضيق وحرج عارضين فقال للناس: (من كان معه فضل ظهر فلْيعدْ به على مَن لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)، وقال أيضاً في ترميز أمثلة ذلك بين الماضي والحاضر: (طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي أربعة..)، وفي فقهيات الجهاد في الإسلام أن الدفاع عن هذه الحقوق ولو إلى درجة الاستشهاد هو من الأسس الجوهرية لتشريع الجهاد بشموليته النظامية المؤتمنة على مسؤولية الحقوق الإنسانية للدفاع عن كل مضطهد أو مستضعف أو مظلوم، ولو كان المستجير لدفع الظلم أو الخطر عنه ضمن الأمة أو الوطن غير مؤمن أو كان مشركاً، وذلك للتأكيد أنّ هذه الحرية لا يحق حتى للمعتقد الحق أن يقهرها أو يُكرهها كما قال الله تعالى: (وإنْ على أن هذه الحرية لا يحق حتى للمعتقد الحق أن يقهرها أو يُكرهها كما قال الله تعالى: (وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأجِره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه).
(يتبع)