خفايا خطاب السيد من القلمون الى اليمن

خفايا خطاب السيد من القلمون الى اليمن

تحليل وآراء

الأربعاء، ٦ مايو ٢٠١٥

 عكف الإعلام (بضفّتيه) منذ الأمس على تحليل سبب إطلالة سماحة الامين العام لحزب الله اليوم، منهم من ربطها بالذكرى الرابعة والعشرين لانطلاق قناة المنار وبحلتها الجديدة ومنهم من ربطها بتحديد ساعة الصفر لانطلاق معركة القلمون المرتقبة، وآخرون توقّعوا أن تكون تكراراً للخطابات الاخيرة حول اليمن.

لا شك أنّ هناك حاجة دعت لإطلالةٍ خارج سياق المناسبات والمهرجانات، ولعلّ تسارع الاحداث الطاغية على أكثر من ملف من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق فلبنان فرض هذه الاطلالة لمحاكاة اللحظة السياسية وتصويب مسار المواجهة بوضع عناوين الخطاب المطلوب في هذه المرحلة، سيما وأنّ سماحة السيد الذي لا يغفل عن كل شاردة وواردة يراقب أجواء جمهوره ومؤيديه والسائرين على نهج المقاومة وخطها الممانع في لبنان وعلى امتداد العالم العربي والاسلامي، وقد أدرك حجم الحرب النفسية الدعائية الكاذبة بدءاً من الحديث السعودي عن تحقيق أهداف الحرب العداونية على اليمن بعد إعلان انتهاء ما تسمى "عاصفة الحزم" واستبدالها بعدوان أكثر إجراماً وهمجية، مروراً بالتطور الحاصل على الساحة العراقية والمتمثل بالتهديد الامريكي بتقسيم العراق، والتهويل الحاصل في سورية عقب خسارة مدينة ادلب وجسر الشغور والدعاية الكاذبة المرافقة لها، وصولاً، وهذه نقطة مهمة، الى الشائعات التي تتحدث عن تراجع ايراني او تسوية نووية على حساب حلفاء ايران وهذا التشاؤم والاحباط الذي رصده سماحته من خلال مراقبته المباشرة وما يرده من تقارير تعكس المزاج والرأي العام على وسائط التواصل الاجتماعي.

إذًا، لقد حاول إعلام الخليج وغرفه السوداء من عدن الى بيروت تصوير المشهد اليمني الدقيق نسبياً والتهويل الامريكي عراقياً والخرق الارهابي في كل من ادلب وجسر الشغور على انه انقلابٌ في المشهد وفي مسار الصراع، وبدا الأمر في الايام القليلة الماضية وكأنّ المبادرة أصبحت في يد هذا الفريق، وعادت نغمة "الايام المعدودة للنظام" وغيرها تطفو على سطح الاعلام الآخر في ظل بعض الشعور بالتململ و"الخيبة" اذا صح التعبير من قبل القواعد الشعبية على مساحة كل جبهات المواجهة مع الحديث عن احتمال تراجع الدعم الايراني لحلفائه كنتيجة من نتائج الاتفاق النووي القادم. وفي حقيقة الامر، أنّ إيران التي تعي جيداً السبب وراء هذا التوقيت بالذات لفتح جبهة اليمن ولتمرير مشروع الكونغرس الصهيوني للعراق ولإعطاء زخم للإرهاب في سوريا وتعزيز غرفة العمليات الصهيونية السعودية التركية في أنقرة الآن، وهي تدرك أنّ المطلوب هو رأس الاتفاق النووي وهو مطلب صهيوني صرف، يسعى من خلال إشعال تلك الحرائق الى جرّ إيران الى فخ المواجهة الاقليمية المباشرة لوضعها امام مواجهة المجتمع الدولي بهدف تعطيل وافشال الاتفاق المزمع إنجازه كاملاً في منتصف حزيران القادم.

وعليه، فإنّ ايران المتمهلة والثابتة في آن، تحاول افشال هذا المخطط وتفويت الفرصة على أعدائها عبر تمرير الوقت والحفاظ على "ستاتيكو الصبر" ولو كان ذلك سيضع حلفاءها وقواعدهم الشعبية في حالة من الامتعاض والشعور بالتململ، وقد أوضح سماحة الامين العام ذلك حينما أشار الى أنّ السيد الخامنائي قال أكثر من مرة إنّ ايران لم تفاوض إلّا على ملفها النووي وليس اي ملف آخر، ولا يمكن ان يكون هذا التفاوض أو هذا الملف على حساب ملفات اخرى.

لذلك، كانت اطلالة السيد اليوم بمثابة التأكيد على الامساك بزمام المبادرة في سوريا وفي القلمون وفي العراق وفي اليمن، مع التحذير من اهداف المشروع الغربي لتقسيم المنطقة وما يتضمنه من مخاطر لا تطال محور الممانعة فقط بقدر ما تطال كل الكيانات العربية وتستهدف كل هذه الامة وتضعها في اتون حرب قد تمتد لعشرات السنين.

اليوم بات المشروع اكثر وضوحاً، الغرب يمعن في اشعال الشرق الاوسط وتمزيقه، تجارة السلاح مزدهرة، والعرب منشغلون عن "إسرائيل" والاسلام مشوه ومخطوف. وفي مقابل هذا المشهد تقف ايران وسوريا والمقاومة في مواجهته بأسلوب اشبه بتفكيك الالغام في حقل مليء بالعبوات المتفجرة، شهران ونيّف ويسدل الستار عن ملف ايران النووي ويحصد المتآمرون من تل ابيب الى الرياض يباس الخيبة وما ملكته ايديهم من دعم الارهاب القاعدي وتوابعه، والغرب الذي يؤجج الصراع في المنطقة لن يجد أمامه إلّا خيارين، علم داعش يرفرف على قصر الحكم في السعودية اذا ما رفرف فوق قصر المعاشيق في عدن أو انهاء اللعب بالنار قبل ان تكبر وتتمدد ليصل اتونها الى اوروبا وما بعد بعد اوروبا. ولن يكون اليمن لداعشهم ولو احتلوا نصف جنوبه ولن تكون سوريا لداعشهم ولو استمرت الحرب في سوريا بدل الخمسة أعوام خمسين عاماً، وبطبيعة الحال تقسيم العراق لن يمر الا على جثة سبعين بالمئة من الشعب العراقي، وهيهات هيهات أن ينالوا منهم.

نعم انها استراتيجية الصبر والنفس الطويل، وعض الاصابع، وصحيح أنّ الثمن غالٍ والتحدي كبير، وقد يحقق الغرب بعضاً من مصالحه الآنية في هذه المعركة ولكنه سيفشل في اخضاع هذه المنطقة او كسر محورها الممانع، ويبقى الخاسر الاكبر هو الكيانات التي تراهن على الغرب وعلى المشروع الاسرائيلي وسانده في اللعب بالنار التي لن تحرق إلّا عروشهم وعباءات العار التي يلبسونها.