الحروب في خواتيمها.. بقلم: كميل العيد

الحروب في خواتيمها.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الاثنين، ٤ مايو ٢٠١٥

يروي المرحوم زكي الأرسوزي في أحد مؤلفاته قصة ملخصها أنه حارس باب مشفى المجانين في مدينة استوكهولم سها ونسي باب المشفى الرئيسي مفتوحاً، فخرجت مجموعة من المجانين تركض في شوارع المدينة, صُعق مدير المشفى للمنظر وعلم أنه لو أبلغ البوليس لحصل العراك ووقعت الضحايا من الطرفين, وفوق ذلك سيخسر وظيفته لكونه هو المعني الأول. وللانتصار على المشكلة لبس مدير المشفى الشورت وحمل قصبة بيده وأخذ يركض مع المجانين إلى أن سبقهم فيركض ويركضون وراءه ثم لفَّ في الطريق باتجاه المشفى والمجانين يركضون وراءه إلى أن عاد وعاد المجانين إلى حيث انطلقوا.
في هذه القصة لم تعد القضية لماذا سها حارس المشفى وكيف تمكن مجنون من دفع رفاقه للّحاق به والهروب من المشفى بل أصبحت القضية كيف تمكن المدير من تحويل الخسارة لربح وكسب هذه المجموعة من المجانين وقيادتهم ودفعهم للّحاق به، فالحرب في خواتيمها وخسارة جزء لا يعني خسارة الكل.
 أسوق هذا المثال لأقول ليست المشكلة في خسارة معركة بل كيف نربح الحرب, وسآخذ مثال مدينة إدلب والذي تفيد بعض مراكز الإحصاء أن تعداد سكانها يتجاوز الستمئة ألف نسمة, هذه المدينة احتلها عشرة آلاف مسلح إرهابي مختلفي المشارب والاتجاهات. وهنا لا أريد أن أتحدث عن توازن القوى العسكرية وحجم الدعم اللوجستي والاستخباراتي والفضائي والمادي الذي يقدم للتنظيمات المسلحة من كبريات المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية والإعلامية الدولية والتي دفعت الجيش العربي السوري للانسحاب بعد أن أصبحت المدينة تشكل عبئاً واستنزافاً له وبالتالي أصبح الانتقال لمواقع أكثر تحصيناً والتحضير لهجمات معاكسة أفضل من الناحية الاستراتيجية العسكرية من البقاء في المكان.
 ولأني أريد أن أتحدث عن موازين القوى المدنية أسأل أين المواجهة المدنية لهذه المجموعات المسلحة, لماذا لم تخرج لمواجهة جحافل الغزاة؟؟....
 أذكر ويذكر الجميع بأنه في بداية الغزو الأمريكي للعراق حاول الغزاة الدخول إلى مناطق كربلاء والنجف فخرجت جموع المواطنين العراقيين من رجال ونساء وأطفال وأقامت سواتر بشرية وقفت بوجه الغزاة ومنعتهم من الدخول بوسائل مدنية. فأين شرفاء إدلب وكيف يتمكن بضعة آلاف مسلح من احتلال مدينة يقطنها أكثر من ستمئة ألف نسمة. والجواب وجود حواضن شعبية تأثرت بميديا الإعلام العالمي وفيديوهات جبهة النصرة وداعش وغيرها, وهنا أقول: إن علينا العمل على امتلاك آليات تغيير المزاج العام داخل الجموع البشرية عبر طاقات فكرية وعلمية ودينية ونفسية. فلا بدّ من قول الحقيقة ولو على قطع الرؤوس لأن السكوت في هذه المعركة خيانة وجريمة, فالحرب لم تعد حرباً على النظام السياسي إنها حرب الوهابية على أهل السنّة في بلاد الشام, بل على كل أطياف مجتمع بلاد الشام. فأبناء بلاد الشام بكل مذاهبهم ومللهم وطوائفهم الإسلامية والمسيحية أقرب للتصوف وهم على نقيض الوهابية.
إن مجتمع بلاد الشام, هو مجتمع التجارة مجتمع الحضارة مجتمع العلم والصناعة والذي تعلم منه الرسول العربي محمد (ص) التجارة وسعى لنقل ثقافة الحضارة لأهل الصحراء. واليوم يحاول أهل الصحراء أن يخالفوا ما سار عليه رسول العرب والمسلمين من خلال محاولاتهم تدمير حضارتنا وتصحير عقولنا وسلب أهوائنا والقضاء على عروبتنا, إنها حرب الباطل على الحق, حرب الكافر على المؤمن, حرب النفاق على الحقيقة, فلتبدأ حربنا المضادة حرب كسب الناس وإيقاظهم من سباتهم حرب بناء مدنية تضاهي مدنيات العالم الأكثر رقياً وهذا ليس بالأمر المستحيل.
 
 هامش 1:
" أين شرفاء إدلب وكيف يتمكن بضعة آلاف مسلح من احتلال مدينة يقطنها أكثر من ستمئة ألف نسمة".
هامش 2:
" إنها حرب الوهابية على أهل السنّة في بلاد الشام, بل على كل أطياف مجتمع بلاد الشام".