سيبقيان متعانقين.. بقلم:  د. اسكندر لوقـــا

سيبقيان متعانقين.. بقلم: د. اسكندر لوقـــا

تحليل وآراء

الأحد، ٣ مايو ٢٠١٥

أحياناً يستوقفك قول، لا تستطيع أن تتخطاه، لكونه يدل على موقف له صلة بقضية ما من القضايا التي تشغلك. في هذا السياق أقرأ لسيادة القس هروتيون سيليميان رئيس طائفة الأرمن البروتستانت في سورية، أقرأ له، قوله بأن المجرمين مهما حاولوا بذر الفتنة بين أبناء وطننا، بمختلف شرائحهم، فسيبقى الهلال والصليب متعانقين.
ولا يبدو سيادة القسيس في قوله هذا بعيداً عن الواقع، وعن حقيقة أثبت تاريخ سورية منذ أن احتلت من القوات العثمانية في العام 1516 وما تلاها من قوات أجنبية فرنسية كانت أم بريطانية، أن هذين الركنين الأساسيين في بلادنا لم ينفصل بعضهما عن الآخر تحت أي ظرف رافق كفاح أبناء سورية وصولاً إلى يوم الاستقلال، وحتى هذه الساعة حيث يتصدون لهجمات تتار العصر الحالي غير آبهين بحجم التضحيات التي استدعت وتستدعي صمودهم دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن.
إن سيادة القس سيليميان، إذ يؤكد أن لا شيء قادراً على الفصل بين هذه الركنين، وأيضا بأن لا شيء يستطيع أن يلعب دوراً بهدف تهجير الأرمن من الأرض التي احتضنتهم منذ بداية القرن الفائت ولا تزال، فإنه يقرأ الماضي بعين المواطن الأصيل الذي لا يمكن أن تطيح به ريح عاتية مهما اشتدت ومن أي جهة جاءته.
إن الطائفة الأرمنية التي خبرت محبّة السوريين لها ووقوفهم إلى جانبها، لا يمكنها إلا أن تقابلهم بالمحبة وبالحرص على سلامة بنيان الأخوة بين الطرفين، ومن هنا كان قول سيادة القس سيليمان بفشل محاولات الساعين لإبعاد الهلال عن الصليب وفي وقت نحن، في سورية، أحوج ما نكون إلى رصِّ الصفوف للحيلولة دون حدوث أي شرخ بين أبناء البلد الواحد، البلد الذي صمد في وجه المستعمرين العثمانيين والفرنسيين على حدّ سواء، حيثما حاولوا الفصل بينهم جغرافيا وعلى أساس طائفي بين سكان البلاد بحجة إقامة دولة هنا ودولة هناك، لهذه الطائفة أو تلك.
هذه العقلية التي تسيّر في الوقت الراهن أحفاد العثمانيين والفرنسيين، وتضلل البعض من الدول الأوروبية، من أتباع العم سام، هذه العقلية سوف تلقى ما لقيه أسلافهم ومن شدّ ويشدّ من أزرهم، وسيكون مصيرهم كمصير الذين انهزموا مؤخراً أمام صمود أهلنا في اليمن.
إن سورية، أرض النضال والوقوف سداً منيعاً في وجه الطغاة، أياً كانوا، لا يمكنها أن تفرّط بصدق مشاعرها تجاه من احتضنت أسلافهم أطفالاً وصاروا آباء وأجداداً لأبناء طائفة شريفة لا تتخلى عن التزاماتها بصدق المواطنة، التي يلتزم بها كل من عاش على أرض سورية وتحت سمائها. لا، لن يتمكن بنو عثمان القرن الحادي والعشرين أو سواهم، لن يتمكنوا من زرع إسفين قادر على إقصاء الهلال عن الصليب، وسيبقيان متعانقين رغم كيد الكائدين.
iskandarlouka@yahoo.com