دفاعا عن هويتنا الوطنية.. بقلم: د.اسكندر لوقــا

دفاعا عن هويتنا الوطنية.. بقلم: د.اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ أبريل ٢٠١٥

من حين لآخر، يطالعنا نبأ يفيد بأن لوحة فنية لرسام شهير أو مخطوط لأديب عالمي لم ينشر في حياته، أو رسالة كتبت بخط يد أحد كبار المفكرين بمبالغ لو أتيحت لأصحابها لما ماتوا قهراً فقراء ومعوزين. وأحيانا يكون المبلغ رقماً فلكياً في سياق مزاد علني يتنافس الأغنياء على من يدفع أكثر.
في هذه المناسبة، وبغض النظر عن المبلغ وعن قيمة اللوحة الفنية أو المخطوط أو الرسالة وسوى ذلك، أود أن أسأل لماذا لا نقيم، نحن العرب، مزادات علنية إن لم يكن لاعتبارات مادية، فعلى الأقل للتعريف بما لدينا من آثار ووثائق ذات قيمة تاريخية، تتيح للدارسين فرص الإفادة منها لخدمة بلدنا سورية بلد الحضارة على سبيل المثال؟
إن الغرض من هذه الخطوة إن نحن أحسنا توظيفها لبيان كم هي بلادنا غنية بما تملك من معالم ووثائق تاريخية ورقية كانت أم حجرية، لا بد أن تدل على أنها لم تكن مجرد دولة وجدت في مكان معين أو زمان معين وفات أوان الحديث عنها.
أقول هذا من خلال تجربتي الشخصية، خلال إعدادي رسالة الدكتوراه عن الحركة الأدبية في دمشق بين عامي 1800 و1918، حيث أتيحت لي فرص التعرف على محتويات العديد من المكتبات المنزلية التي يحتفظ بها أولاد أو أحفاد الذين أسسوها في بيوتهم خلال حياتهم، ولا ينقصها سوى إلقاء الضوء عليها، سواء بقيت حيث هي على رفوف المكتبات في المنازل، أم نقلت إلى المراكز التاريخية المختصة بحفظ وصيانة الكتب بعد اقتنائها ضمن أسس معينة يتفق عليها بين المراكز ومالكي الكتب في منازلهم.
قد تكون ترجمة هذه الأمنية مكلفة مادياً لكنها تبقى خطوة عملية وطنياً أولاً وثقافياً ثانياً، لكونها تشكل أمانة برسم الأجيال الآتية. وفي تقديري أن خطوة كهذه لا بد أن توضّح الكثير من الأمور التاريخية التي لا تزال غامضة، أو هي طي الكتمان وتخص واقع بلادنا، وتحديداً ما يتعلق بماضيها التي يحاول البعض في أيامنا هذه أن يطمس معالمها عمداً وبأي وسيلة كانت، وذلك على غرار ما أصاب كنوزنا الثقافية مؤخراً، ما كان منها مرئياً على سطح الأرض أو محفوظاً في مكتباتنا المنزلية والتي تشهد بعراقة بلادنا.
في سياق تجربتي الشخصية وتجارب زملاء آخرين من فئة دارسي تاريخ سورية على مدى مئات السنوات، تحفزني هذه الوقفة على القول: إن حماية ما تقتنيه المكتبات الخاصة لا تقل أهمية عن حماية ما تقتنيه المكتبات العامة إن لم تتخطها وخصوصاً فيما يتعلق بالمخطوطات التي لم تر النور حتى اليوم.
دفاعاً عن هويتنا الوطنية، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، نحن أحوج ما نكون لحماية تراثنا العلمي والفني والأدبي المحفوظ في منازل خلف الكبار من علمائنا وفنانينا وأدبائنا، قبل أن يداهمها أعداء الإنسانية والمعرفة بمعاول هدمها على نحو ما يجري فوق أرضنا هذه الأيام وعلى مدى أربع سنوات قابلة للزيادة.
Iskandarlouka@yahoo.com