كلنا يهمّه الأمر.. بقلم: سامر يحيى

كلنا يهمّه الأمر.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٧ أبريل ٢٠١٥

نعم كلّ منا يهمّه الأمر من دون استثناء، سواء كان مواطناً عادياً، أو موظفاً حكومياً أو جندياً في ساحة الميدان، أو مسؤولاً في أي من قطاعات المجتمع حكومي أو غير حكومي أو مجتمع مدني، أو ناشط في مجال من مجالات الحياة الإنسانية..
 بالتأكيد تختلف مسؤوليات ودور كل منا وفق إمكاناته وقدراته، والمعطيات التي تتوافر له، فما نقدّمه من مدخلاتٍ سيعطي مخرجات متطابقة أو قريبة مما نرغب، ما يتطلب من كل منا التأكّد وتوخّي الحذر لما نقدّمه من معطيات، فكل منا هو مصدر معلومات لمن حوله ويتأثر به، والبعض يبني آماله وآلامه على ما نتكّلم به، وبمقدار صدقنا نضيّق الثغرات التي تسهل للأعداء التسلل والعبث بمقدّرات الوطن، ولاسيّما عندما نتناول مصطلحات تكون من حيث ندري أو لا ندري عنصراً أساسياً في تسهيل مهمة أعداء الوطن، مثل مصطلح "البيئة الحاضنة" وما ينتشر في الآونة الأخيرة من نداءات لتدمير منطقةٍ كاملة أو مدينة كاملة بأهلها بحجّة أنّهم بيئة حاضنة، متجاهلين أن الوطن لا يمكن أن ينتصر إلا بجهود جميع أبنائه، وكل منطقة فيها الغث والسمين، ودورنا نحن فصل الغث عن السمين، والعمل على استقطاب الثمين، وتقويم الغث عبر التنشئة الاجتماعية السليمة، وصناعة رأي عام واعٍ، ولا تقل خطورة هذه المصطلحات عن السموم التي تبثها قنوات الفتنة والتحريض، لتدمير النسيج الاجتماعي للوطن.
 الحلول بسيطة، تبدأ عبر التفكير الوطني بإيجاد آلية جديّة لتقديم المعطيات الحقيقية وشرح الظروف التي تمرّ بها البلاد لتوعية أبناء المجتمع، كل من مكانه، وحسب إمكانياته، فالعاملون في المؤسسات الحكومية لديهم قدرات هائلة في بناء المجتمع، ما يستوجب التواصل معهم وشرح دور كل منهم وتأثيره في بناء الوطن أو تدميره...... فموظف صغير في منطقة نائية جداً كان مثالاً يحتذى استغلّه أعداء الوطن. كما أن افتقادنا لسبل التنشئة السليمة والتوعية الوطنية، ساهم بخروج الكثير من السجون أكثر إجراماً، لأننا فقط قيّدنا حريتهم الجسدية، بينما كان السجن مكاناً ملائماً للتفكير بأساليب جديدة للإجرام والإفساد، مستفيداً من خبرات من معه، بدلاً من تأهيله ليكون مواطناً فاعلاً وبنّاءً في مجتمعه..
 وهنا التساؤل المطروح، هل فكرت المؤسسات المسؤولة في كل قطّاعات المجتمع ولاسيّما دور إيواء الذين هجّروا من بيوتهم بسبب الإرهاب، بعيداً عن الجولات التصويرية والمساعدات المادية والإنسانية، بتوعية هؤلاء وتقديم الأفكار والمعطيات التي تهم الوطن والمجتمع، وتوضّح لهم تآمر الأعداء عليهم، كي يعودوا لبناء الوطن مجدداً بعد عودتهم إلى ديارهم، وما أكثر الطرق التي تساهم بذلك، أم إننا تركنا كلاً منهم يعيش ضمن الأفكار التي تأثّر بها من وسائل الإعلام أو تحليلات من هذا وذاك تستغل الجانب العاطفي والديني لدى كل منا، أو عبر وضع التفاؤل المفرط أو التشاؤم المفرط فكلاهما مدمّر مثله مثل قنوات الفتنة بل أخطر منها، ويؤهل ثمرةً في المستقبل لتدمير الوطن مجدّداً...
 نعم الإعلام يتحمّل المسؤولية الكبرى باختيار أفضل السبل ليجذب المشاهدين والمستمعين، ويجب أن يتحلّى بالمصداقية والوطنية التي تميّز بين الوقاحة والصراحة، بين الجرأة والتكتّم، بين الوطنية، وادّعاء الوطنية، والإعلام لا يقتصر دوره على ما تبثّه برامجه بل مدى تأثير برامجه في هذا الرأي العام...
 هل استفدنا من الدروس الكثيرة التي مرّت بنا، فعندما نحقق الانتصار نتكلّم بخيلاءٍ وكأنما ملكنا الدنيا، وعندما نقع في فاجعة، نتّهم مجتمعاً كاملاً ونشتمه ونطالب بإبادته، متجاهلين الاستفادة من انتصاراتنا ومن خسائرنا لكي نتجنب الخسائر في المستقبل ونوسع دائرة الانتصارات... فخمس سنوات كافية لكي تعطينا من الدروس والعبر ما يجعلنا نضع يدنا جميعاً بيد بعض لبناء وطننا الذي نريده، بعيداً عن أي تجاذبات لن تفيد إلا أعداء الوطن. فنحن لا نحتاج لمن يذكي نار الفتنة عبر ادعاء الوطنية، ولا نحتاج لمن يعطينا التفاؤل المبالغ به، لأنّه سوف يحبطنا بشكلٍ لا نستطيع القيام منه حتى لو حققنا الانتصارات الكبيرة، نحن نحتاج للجهود الوطنية الحثيثة التي تضع الشخص في الحقائق وتظهر حجم المؤامرة لكي يفكّر كل منا بالوسيلة الأنسب للخروج منها والتصدّي لها، والانتقال من التشخيص ووصف الدواء، إلى التشخيص وتناول العلاج المناسب، بعيداً عن تحميل المسؤولية كلّها للقيادة السياسية والجيش العربي السوري، وتخلي كل منا عن مسؤوليته وعن دوره حتى بعدم رمي منديل في الشارع...
 كلنا يهمّه الأمر، وكلنا مسؤول من دون استثناء، وكلنا يستطيع توضيح الصورة لمن حوله، بشرح الحقائق، وتلقائياً ستتسع الدائرة، لكي نصل إلى مجتمعٍ شبه خالٍ من الفساد والإفساد، مجتمع واعٍ يعرف ما يريد وما يرغب، انطلاقاً من قاعدة معلومات حقيقية، للخروج بنتائج إيجابية...تفيد جميع أبناء الوطن، من دون استثناء أحد، فالضال قد يعود لرشده، والضال قد يتوب، ولكن الإرهابي والخائن فهذان لا يمكن أن ينسبا للوطن، فالخيانة والإرهاب لا دين لهما ولا مجتمع ولا جنسية ولا بيئة، بل هما صناعة الأعداء، ولهم ممولّوهم ومسيّروهم، فلا يمكن أن يشملهم أي حديث يخص أبناء الوطن، لأنّهم هم من أعداء الوطن، وإن كانوا يعيشون بين أبنائه تحت ستارٍ ما......
 لنبدأ كلنا من الآن يداً بيد بالتفكير السليم المبني على المعطيات الحقيقية المستندة لمحبّة الوطن وخدمته، مستفيدين من عمر سوريتنا التي يزيد على سبعة آلاف عام، والحضارات والتجارب الكثيرة التي مررنا بها طوال ذلك التاريخ.. فنحن لم نختر وجودنا على هذه الأرض، لكن علينا أن نختار مسؤوليتنا بالدفاع عنها والحفاظ عليها.