عبد الباري عطوان ومستقبل الدولة الإسلامية ( داعش ).. بقلم: كميل العيد

عبد الباري عطوان ومستقبل الدولة الإسلامية ( داعش ).. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣١ مارس ٢٠١٥

 في الفصل الحادي عشر من كتابه الدولة الإسلامية: الجذور، التوحش، المستقبل، يتناول السيد عبد الباري عطوان مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية وهو كما في باقي فصول الكتاب يكشف عن مشاعره الجياشة تجاه هذا التنظيم من خلال استعراضه للقدرات الهوليوودية له, ومن خلال انبهاره بطاقات الدولة الإسلامية الوليدة وإمكانياتها وقدرتها على جذب الشباب المسلم ويبالغ عطوان في سرد قدرات قادتها القيادية وقراراتهم الاستراتيجية ؟؟... ويقول بأن فرص استمرار الدولة الإسلامية، أكبر من فرص زوالها، لأن لديها خبرات متراكمة، ونخب علمية درست في أرقى الجامعات العالمية, وطاقات إعلامية جبّارة ومزيجاً من جيش نظامي وميليشيا مدربة, إضافة لوجود جزء من جيش صدام إلى جانبها, وكذلك امتداداتها في غير مكان من العالم.
يصرُّ السيد عطوان في كتابه على تشبيه الأراضي التي احتلتها «داعش» في سورية والعراق عبر البطش والترهيب وتجاوز الشرائع الإنسانية بالدولة، وهو يريد أن يعيدنا لأزمنة وعصور عفا عنها الزمن فإذا كان التطرف والعنف سلوكاً على الأرض عرفته البشرية منذ أن قتل قابيل أخيه هابيل. فإن الظروف لم تعد متشابهة ولا العلوم متوافقة ولا العقول متصحرة. وإذا كان لعطوان أن يقرأ التاريخ فعليه أن يدخل من زاوية التاريخ المقارن وإجراء مقارنة بين هذا التنظيم وتنظيمات مشابهة له في العصر الحديث حيث تتقارب الظروف والغايات والوسائل. كنت أتمنى لو أنه أجرى دراسة مقارنة بين تنظيم الدولة الإسلامية وبين تنظيمات مشابهة من حيث النشأة أو المسار أو الغاية في العصر الحديث سواء كانت إسلامية كتنظيم إمارة القوقاز الإسلامية أو تنظيم بوكو حرام في نيجيريا أو طالبان في أفغانستان, أو غير إسلامية كدولة الخمير الحمر في كمبوديا أو نمور تحرير تاميل (إيلام) في سيريلانكا وغيرها..... والحقيقة الدامغة بأن أغلبية التنظيمات التي ربطت نفسها بالإسلام مختلفة فيما بينها وهي مختلفة عن تنظيم الدولة الإسلامية داعش ومختلفة معه وإن بعض الأصوات التي تأتي من هنا وهناك عن مبايعات لهذا التنظيم لا تتجاوز الإعلام وهي مبايعات مدفوعٌ ثمنها فما يفرق هذه التنظيمات أكبر بكثير مما يجمعها وهذا سبب من أسباب تلاشي هذه التنظيمات على المدى غير البعيد.
لقد حاول السيد عطوان بكتابه تحليل الوقائع بطريقة تم فيها وبشكل غير مباشر تحميل التاريخ الإسلامي مسؤولية ما يجري، وهذا من قبيل وضع العربة أمام الحصان لا وراءه، فتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يسعى لإقامة خلافة على أنقاض الجماجم ومن خلال سياسة الترهيب والقتل والخدمات الاجتماعية التي يقدمها بالمقابل, يشابه في نشأته ومسيرته ونهايته وان اختلفت الأهواء نشأة ومسيرة ونهاية الخمير الحمر في كمبوديا. فكلاهما نتاج بيئة أوجدتها الولايات المتحدة الأميركية وكلاهما تسبب بإحداث مأساة إنسانية حقيقية، فكما كانت دولة الخمير الحمر في كمبوديا نتاجاً لسياسة نيكسون ومستشاره الأمني ماكفرلين ووزير خارجيته هنري كيسنجر في السبعينيات من القرن المنصرم, حيث قصفت الولايات المتحدة كمبوديا, ودمرت معظم بناها التحتية ومناطقها ما أدى لسقوط نظام نوردوم سيهانوك ونشوء «بيئة» مناسبة لنمو خلايا ومنظمات «الخمير الحمر» وسيطرتها الإرهابية على عموم البلاد. كذلك المشهد في العراق حيث قام بوش الابن ومن خلفه المحافظون الجدد بتدمير العراق وبناه التحتية وتحطيم جيشه وغزوه وإشاعة الطائفية والمذهبية فيه وخلق البيئة المناسبة لنمو التنظيمات المتطرفة والتي يتربع على رأسها اليوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). أما في الأهداف فقد وضع الخمير الحمر هدفهم آنذاك وهو بناء "المدينة الزراعية الفاضلة" ووضعوا سياساتهم التي قامت على إشعال حرب طبقية، ولكن بدلاً من تأسيس تلك المدينة المنشودة، انتهى الأمر بتلك الجماعة إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أودت بحياة ما يقرب من مليوني شخص.
ونفس الشيء يتكرر اليوم مع داعش مع اختلاف الأهداف حيث وضعت داعش هدفها وهو إقامة "دولة الخلافة الإسلامية" وتحت هذه الذريعة قامت بإحداث مأساة حقيقية في أجزاء من العراق ومن ثم سورية وقبل أن يتكشف المدى الحقيقي لفظاعات تلك الجماعة على مستوى واسع، مازال البعض ومنهم الأستاذ عبد الباري عطوان يروج بطريقة ذكية لنبل هدفها كما كان بعض أتباع الخمير الحمر يروّجون لقدسية هدفهم.
وكما قلت في مقال سابق: إذا كانت وحشية بول بوت والخمير الحمر في كمبوديا أثناء حكمهم مؤشراً إلى انحسار المد الشيوعي السوفييتي وعلى قرب سقوطه فإن وحشية داعش وأمثالها هي المؤشر إلى قرب انحسار الإسلام السياسي الجهادي وقرب زوال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.