جلد الذات.. بقلم: سامر يحيى

جلد الذات.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٣٠ مارس ٢٠١٥

لن نكرر الحديث المعتاد، فقد باتت كلمة الفساد والتنظير محور الحديث اليومي حتى بين الناس العاديين إضافةً للمسؤولين والمثقفين... وكل منهم لديه إما التبريرات أو الاتهامات الجاهزة، لكنّه بالتأكيد يتهرّب عند أول حديث جدّي لإيجاد الحل الحقيقي، أو وضع أرضية قابلة للانطلاق لأفكار قابلة للتطبيق على أرض الواقع.. تحت شعار "ما بدي اخسر شغلي أو لا أريد أن أجعل الآخر عدواً لي، أخاف من المافيات، وغالباً قد يكون صواباً، لكنّه خوف ضمني إلى حدٍ ما..
المزعج بهذا الموضوع هو عدم تمييز وسيلة الإعلام المفترض أن يقودها فريق عملٍ، يقوم بدوره ضمن الإمكانات المتاحة، لجسر الهوة بين المسؤول والمواطن، عبر فضح مكامن الفساد واقتراح الوسائل الفعالة لتصويب الخطأ، وتوضيح الإيجابيات وما تقوم به الحكومة من جهود لبناء الوطن، فمن المستغرب أن تقوم وسيلة إعلامية وطنية تبث بنشرة أخبارها الخسائر التي تعرّض لها الاقتصاد السوري من خسائر نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض عليها ممن يدّعون الحرية والديمقراطية للشعب، وبث مشاهد من قرار أصدره المسؤول وجولة قام بها وتمجّد بدوره ومتابعة الأوضاع على الأرض عن كثب، وبعد قليل يصدر برنامج يحمّل كامل المسؤولية لهذا المسؤول أو ذاك، ويعتبر مؤسسته بالمطلق فاسدةً ولا تقوم بدورها في بناء الوطن، ما يشعرك بانفصام الشخصية بين الخبر الذي أوردته القناة، وبين البرنامج الذي تقدّمه..
كما أنّني عندما أتابع جزء من لقاءٍ مع مسؤول أخال أنني إما أمام إطراء زائد عن اللزوم، أو محاكمة وتهجّم على المسؤول تحت شعار الجرأة، بدلاً من أن تكون جلسة اللقاء مع المسؤول جسر هذه الهوة بين المواطن والمسؤول، وعصفاً فكرياً للخروج بنتائج إيجابية أو اقتراحات بناءة تصب بمصلحة الوطن والمواطن، ضمن الإمكانات المتاحة والظروف التي تعيشها البلد ولاسيما ونحن ننادي بشعار  (2015 عيشها غير)..
عندما يقوم كل منا بدوره، عبر الابتعاد عن الفساد، وبدل الحديث عن الفاسد توضيح النقاط الإيجابية من أجل تعزيزها، وتلقائياً سوف نجد أنفسنا ضيّقنا الخناق على الفساد، وشجّعنا الكثيرين للقيام بدورٍ أكبر، بدلاً من التفاؤل اللامنطقي المنفصم عن الواقع، ولا التشاؤم اللامنطقي الذي يوسّع الهوة ويجعل كل منا ينزوي على نفسه بعيداً عن الواقع أيضاً... وخاصة فهمنا الخاطئ لدور الإعلام، بتسمياته سواء الاستقصائي أو السلطة الرابعة أو الجرأة، متجاهلين التعريفات الحقيقية لهذه المصطلحات ولاسيّما ما قاله ماكس فيبر بأن السلطة هي "الفرصة المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لتنفيذ مطالبهم في مجتمع ما في مواجهة من يقفون حائلاً أمام تطبيقها" أي إيجاد الوسيلة الأفضل لتطبيق أفكارها، وليس التهجّم على الآخر، واكتشاف الأخطاء لتقويمها، وتعزيز الإيجابيات واستقصاء الحلول لتلك الأخطاء وأفضل السبل لتوضيح ما يجري للرأي العام، ليكون عوناً للحكومة، والحكومة عوناً للمواطن لا توسيع الهوّة بينهما... فالحكومة دورها إدارة موارد الدولة، والمواطن واجبه مساعدة الحكومة في تنفيذ برنامجها بما يصبّ بمصلحة كل فرد، والتي تلقائياً ستنتهي لمصلحة الوطن كله......
بالتأكيد لم يكن دور وسيلة الإعلام أو السلطة الرابعة التهجّم أو محاكمة المسؤول، فهذه مسؤولية القضاء، ولاسيّما في الأزمات والحروب، بينما دور الإعلام جسر تلك الهوة بين المسؤول والمواطن، لتحقيق مصلحة الوطن.
 وهنا لا بد أن أعرّج على تناول تقرير في إحدى المحطات لتقويم مرحلةٍ سابقة، بالتهجّم بشكلٍ غير مباشر على بعض ما أطلقه البعض واستشهدت بكلماتهم في ذلك الوقت، لتجعلهم تحت التهمة والإدانة بحجة عدم تحقق ما قيل على أرض الواقع، متجاهلةً أن ما قيل وقتها كان ضمن المعطيات المتوافرة له، بدلاً من التطرّق لتناقضات الإعلام المعادي للوطن، على سبيل المثال عبارة فشلت أو خلصت كان بإمكاننا إعادة التذكير بها والاستفادة منها لمصلحة الوطن، فقد كانت هذه العبارة صائبةً في وقتها، لكونه تم كشف المؤامرة، وبدأنا بوضع الخطط والحلول لتجاوزها وتفتيتها، ولاسيما بعد أن عُقد اللقاء التشاوري في مجمّع صحارى عام 2011، الذي كان بيانه الختامي أرضيةً شاملةً لعقد مؤتمر حوارٍ سوري ـ سوري على الأرض سورية، ومن ثم البرنامج السياسي للسيد الرئيس عام 2012، والذي لم يرق لأعداء العروبة والإنسانية، ما دعا الأعداء للتدخّل بشكلٍ مباشر بعد فشل الوكلاء في تنفيذ المخطط، واعترفوا علناً بتقديم الدعم ووجود إرهابيين من رعاياهم يقاتلون في الأرض السورية..
هل فكرت وسائل الإعلام بأن تقسّم اللقاء مع المسؤول أو اللقاءات في الشارع لتشخيص المشكلة ووصف الأدوية الممكن تناولها للوصول للدواء الأنسب والأنجع..... وهل يصعب عليها أن تحوّل هذه اللقاءات لجلسة عصف فكري يساهم ببناء الوطن ويقلّص الفجوة بين المسؤول والمواطن، ومكافحة الفساد والسلبيات، بدلاً من التهجّم تحت شعارات براقة "الجرأة والحرية والتحرّر من القيود المفروضة سابقاً، وندين مرحلةً سابقةً بكاملها، متجاهلين أن صمودنا اليوم، لم يكن لولا مبادئ وإيجابيات الماضي، كما أن الذي ساهم بتغلّغل الأعداء جزء من سلبياتها، متجاهلين الكثير من الخطوط الحمراء التي يجب ألا تزال، ووضعنا خطوطاً حمراء على موضوعات يجب أن تناقش وتبحث...
ألا يشكّل لنا عبرةً صمود الشعب العربي السوري، المستمد من تاريخ طويل في مقارعة الاستعمار والثبات على المبادئ، في وجه المؤامرة التي حيكت ضدّه من أكبر فروع المخابرات العالمية، بمساعدةٍ ودعم مقصود وغير مقصود من بعض أبناء البلد ومنهم من هم في سدّة المسؤولية... كي نفهم المصطلحات والعناوين البراقة التي نطرحها بالشكل الإيجابي بما يصب بمصلحة المواطن والوطن بأن معاً لا مصلحة الشخص وتحقيق شهرةٍ خلّبية آنية...
إن سوريتنا بحاجة جهد كل منا، فكيف والإعلام هو الأساس في توجيه الرأي العام وشرح الحقائق للوصول لنتائج بناءة ويقوم بدوره الحقيقي الرديف للحكومة التي تقوم بإدارة موارد الوطن ومصلحة أبنائه، وليس توسيع الفجوة بينهما، وتشويه سمعة أحدهما على حساب الآخر؟؟!
فليقم كل منا بواجبه بهدف بناء الوطن لا تحميل المسؤولية للآخر، فاليد الواحدة لا تصفق لكنها تحرّك ساكناً، وعندما تتحرّك كل يد فبالتأكيد سيكون التصفيق أقوى والعمل أكثر نجاعة.