هل يصبح «داعش» جزءا من العاصفة؟

هل يصبح «داعش» جزءا من العاصفة؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مارس ٢٠١٥

في حديث اجريته مع الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في الثمانينات من القرن الفائت، قال «العرب هاجس اللحظة... اليهود هاجس الزمن». استطرادا العرب يلعبون في اللحظة، ويحكمهم منطق القبيلة. اليهود يلعبون في الزمن، ويحكمهم منطق الامبراطورية. قد نصبح، ذات يوم، رعايا الامبراطورية اليهودية كما كنا رعايا الامبراطورية العثمانية؟
غارودي استغرب كيف ان الجانبين اذ يتحدران من اصول سامية، فالفارق في الرؤية (وفي الرؤيا) هائل بينهما. اليهود الضاربون في علم الخرافة عملوا على تشغيل ادمغتهم في حدودها القصوى. العرب الضاربون في علم الكلام عملوا على تشغيل ادمغتهم في حدودها الدنيا...
ربما عاد هذا، في نظره، الى وجود اليهود داخل «الماكنة الغربية»، وحيث التفاعل الهيستيري بين الرهان الفلسفي والرهان التكنولوجي...
واذ بهر غارودي ذاك الثراء الفذ في تاريخ العرب، لاحظ ان القلق في تاريخ اليهود الذين لم يتحملوا الانشقاق اللاهوتي لباروخ سبينوزا جعل هذا التاريخ اقرب ما يكون الى...الخواء.
حتى الآن، لا يزال العرب يعيشون هاجس اللحظة. على القمة العربية في شرم الشيخ ان تبني قوة عربية مشتركة. شيء من هذا القبيل قال به ميثاق الدفاع المشترك الذي تم التوقيع عليه منذ ستة عقود. هذه القوة تتشكل عندما اصبحت ايران عدوة العرب و اجتاحت، كما يقال، اربع عواصم عربية، فيما لم تخطر الفكرة في بال احد حين كان موشى دايان يجتاح شبه جزيرة سيناء، ومعها مرتفعات الجولان والضفة الغربية وحتى القدس حيث معراج النبي الى السماء...
لم تخطر في بال العرب حين كان ارييل شارون يقول، وهو يحاصر الجيش الثالث، انه لو اراد لدفع بدباباته الى القاهرة. الدبابات اياها التي مشت فوق الجثث في بيروت. اين كان العقل (والخيال) العربي انذاك؟
لا احد يعترض على القوة العربية المشتركة، ولطالما اضنانا التصدع و«الموت داخل الزجاجات الفارغة». لكن السؤال البديهي: اين هي الرؤية الاستراتيجية التي تعمل في اطارها هذه القوة التي لا نريدها قوة قبلية، في اي حال، بل قوة لصيانة الامن القومي من الامبراطوريات الكبرى ومن الامبراطوريات الصغرى...
هل يعني ذلك اننا سنطلب من اميرالات الاسطول الاميركي مغادرة شواطئنا، وان انظمتنا ودولنا لم تعد بحاجة الى «حراسة» احد لان لدينا قوتنا المشتركة بآلاف الطائرات وبآلاف الدبابات و بملايين الجنود؟
مهزلة المهازل ان يكون في القمة رجل برتبة ماريشال، وبعصا الماريشال، ويدعى عمر البشير الذي وضع تحت تصرف القمة مائة الف جندي، فيما اقتطعت دولة الجنوب 700 الف كيلو متر مربع، وبكل ثرواتها المعدنية والنفطية، من بلاده، وها ان اقليم دارفور يستعد للخطوة ذاتها.
لا، لا، كل شيء الى التسوية، حتى ان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية اقفل فمه، ولطالما تناهى الينا صراخه كلما انتقل البشير من مكان الى مكان. الان انضوى في القافلة. رتبة الماريشال تليق بقتلة الارض، بقتلة التاريخ..
قطعا لا نغفل الطموحات الجيوسياسية لايران، ولا مما يتردد حول تثمير الايديولوجيا في اللعبة التاريخية اياها، ولكن كيف تسقط اسرائيل من العقل العربي، ايضا من الذاكرة العربية؟ رجاء لا تتوقفوا عند الكلام الاخير لمحمود عباس. الفلسطينيون بحاجة الى لغة الصقر لا الى لغة الببغاء. الى مروان البرغوتي الذي وراء القضبان لا الى رجل لا يرى فيه الاسرائيليون اكثر من هيكل عظمي بربطة عنق( لا تنسوا الشاربين المضمخين بالعطر).
ايران عدوتنا؟ اجل، ولكن اين هي اسرائيل؟ في سؤالنا انتهاك عبثي للمنطق. السنا سوية ابناء ابراهيم وان كان بين اسحق واسماعيل ما بين قايين وهابيل؟ ايران هي التي احتلت اليمن، وجيوشها الجرارة تتنقل بين صنعاء وتعز، وبين الحديدة ولحج، فيما اسرائيل نقلت رعاياها (اليهود) من انحاء اليمن الى ارض الميعاد...
نسأل حين ننظر بانوراميا الى المنطقة: من ينتظر جثثنا على ضفة النهر؟ كما يقول الصينيون وكما يقول وليد جنبلاط ايضا؟
لا احد اكثر اغتباطا من السلطان العثماني، وهو يرى الى اين انتهى الصراع بين الرياض وطهران، وعلى المسرح اليمني الذي كأنه لوعورة تضاريسه الطبيعية وتضاريسه البشرية، مسرح اللامعقول..
السلطان على صهوة حصانه ينتظر جثث كل الاخرين. هذه ورقته الاخيرة بعدما سقطت كل اوراقه. وحين وصف قدري غورسل حال رجب طيب اردوغان قال انه «خريف السلطان». الخريف العثماني تحديدا. الرجل لا يزال يراهن على سقوط العرب وسقوط الايرانيين معا ليمد يده الى الاخ...بنيامين نتنياهو!..
الاتراك والاسرائيليون لا يريدون لـ «عاصفة الحزم» ان تتوقف عند اليمن. العراق اكثر حساسية. سوريا كذلك. لبنان ضاحية للعراق وسوريا.
حيال الاحتمالات الكارثية التي تلوح في الافق تغدو منطقية الخشية من ان يغدو تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة، وكل الفصائل الاسلامية الاخرى، جزءا (استراتيجيا) من «عاصفة الحزم». حدث هذا في اليمن. قريبا في بلاد اخرى...