بين المسح والغسل.. بقلم: فادي برهان

بين المسح والغسل.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ مارس ٢٠١٥

على الرغم من كل القواسم المشتركة الكبرى والرئيسية التي تجمع المسلمين والمتمثلة بأركان الدين الحنيف ، وعلى الرغم من كثرة الآيات القرآنية والروايات النبوية التي تحضُّ وتشجع على وحدة الصف والكلمة والموقف، اختلف المسلمون في تفسير آية الوضوء: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين _ سورة المائدة الآية 6 ) وتبلور الاختلاف بشكله الجلي بين أكبر طائفتين مسلمتين تمثلتا بأهل السُّنة والجماعة من جهة، والشيعة الإمامية الاثني عشرية من جهة أخرى. حيث أكد علماء السُّنة  وجوب غسل الرجلين باعتبار أن كلمة ( وأرجلكم ) الواردة في الآية معطوفة على (وجوهكم ) فحكمها الغسل. بينما ذهب علماء الشيعة إلى أنها معطوفة على كلمة  (برؤوسكم ) فحكمها المسح.
 وبالتالي فقد تم الاتفاق على غسل الوجه واليدين ومسح الرأس ولم يبق سوى الرجلين مختلفاً في حكمهما بين المسح والغسل.
وعلى الرغم من إجازة المسح عند أهل السُّنة إذا تعذر الغسل أو المسح على الجوربين أو الخفين في حالات البرد أو الحرج أو ضيق الوقت _ وهذا ما يشكل دافعاً مهماً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين_  إلا أن كل طرفٍ منهم بقي متمسكاً برأيه ويصف الطرف المقابل بأنه أخطأ فهم الآية  فأخطأ في تفسيرها ، ويدّعي السُّنة أن الشيعة يمسحون حين يجب الغسل وأن الرجلين هما الجزء السفلي من جسم الإنسان وأكثر عرضةً للأوساخ والتعرق وما شابهها. بينما يدّعي الشيعة أن أهل السُّنة يجتهدون في النص ويغسلون حين يجب المسح زيادة على ما ورد في الآية ، ومن هنا اشتُهر السُّنة بالغسل والشيعة بالمسح ودرج الطرفان على ذلك منذ نشأة المذاهب الفقهية وحتى يومنا هذا.
وحين احتل الفرنسيون بلاد الشام سنة 1920م ودخلوها بقوة النار والسلاح وعاثوا فيها فساداً  كان الخلاف بين بعض العلماء المسلمين من السُّنة والشيعة على حدٍ سواء محتدماً إلى درجة الخصومة والمقاطعة وكانت هناك جلساتٌ حوارية بين الطرفين عبارة عن سجالات ومجادلة لا طائل منها ولا جدوى، وكان الفرنسيون يبحثون ويفتشون بشكل حثيث عن مصادر توتر المجتمع، ويحاولون إثارتها بشتى السبل والوسائل ليؤكدوا أن الشعب العربي بحاجة إلى نظام انتدابٍ يحكمه فهو غير قادر على إدارة شؤونه بنفسه وعلى ذلك اجتمع أحد جواسيس الاحتلال في إحدى جلسات الحوار مع العلماء المختلفين واستطاع إقناعهم بضرورة الاحتكام للحاكم العسكري الفرنسي غورو لحل هذه المشكلة المعقدة ، فتوجه الوفد العلمائي  (السني الشيعي ) للقاء الجنرال غورو وشرح كلٌّ منهم وجهة نظره فأكد الشيعة أن أهل السُّنة يجتهدون في النص الصريح، بينما ذهب السُّنة إلى أن الشيعة قد اشتبهوا في فهم الآية، وأخذ كل فريق منهم يكيل التهم للفريق المقابل. بينما أنصت الجنرال غورو بتمعن وإصغاء إلى أن انتهى الجميع من الكلام .
 حينها سألهم : أيها المسلمون هل يحاسبكم ربكم من أرجلكم ؟ فيُدخل الذين يغسلون الجنة والذين يمسحون  النار أو يُدخل الذين يمسحون الجنة والذين يغسلون النار؟
إذا كان ربكم بهذه البساطة والسذاجة فقد ثبت أني أعقل وأكثر إدراكاً منه ( والعياذ بالله ) لأنني أحاسب المرؤوسين لديّ بناءً على إخلاصهم وتفانيهم في العمل وليس بناءً على هندامهم وأشكالهم.
وبناءً على ما تقدم نتساءل :
هل يستحق هذا الموضوع التعبدي الفقهي أن يتحول إلى  خلاف عام سياسي .. اجتماعي ..؟
نحن هنا لا نقول للشيعة اغسلوا أرجلكم عند الوضوء ولا للسنة امسحوها، بل نقول فليتمسك كل مذهب باستنباطه الفقهي، وليحافظ على خصوصيته التعبدية ولكن ليس بالضرورة أن يصبح الاختلاف خلافاً يساهم في تفريق أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة. ألا يستطيع المكلف من أي فريق أن يبقى على قناعته ويحرص على وحدة الأمة، ولا يجعل من اختلافه في الرأي قضية خلاف يجادل ويشاكس وينابذ ويكيد العداء ولا يرضى إلا أن يطبع المقابل بطابعه، ويصبغه بصبغته ولا يعترف به إلا أن يصبح مثيله؟
ثم إلى متى نسلط الضوء على نقاط الاختلاف على قلتها ونعوّمها ونبرزها ونظهرها إلى السطح ونغض النظر عن نقاط الاتفاق على كثرتها؟
أما آن لنا أن نتوحد تحت راية الأديان والإنسان ونترك الخلافات ونلتفت إلى مستقبلنا؟ ألا يجدر بنا ونحن نعيش عصر الانحطاط والتشظي والاقتتال أن نرصَّ الصفوف ونعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق؟ فإلى متى؟؟!!