الوجود والعدم..بقلم: د. اسكندر لوقــا

الوجود والعدم..بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ فبراير ٢٠١٥

في كتابه " الوجود والعدم " لخص الفيلسوف والأديب الفرنسي الشهير جان بول سارتر، فلسفته حول الوجودية التي اقترنت باسمه. وكان من رأيه، باختصار، أن للوجود وجهين، هما وجود في ذاته ولهذا الوجود ذاتية الأشياء الخارجية، بمعنى أنه وجود لا دخل فيه لإرادة البشر، ووجود آخر هو الوجود لذاته وهو فعل إرادي يسعى به المرء لتحقيق وجوده أو ذاته.
في سياق قراءة هذه الرؤية للوجود في ذاته أو لذاته، يدخل المرء في متاهة طويلة عريضة متسائلاً بينه وبين نفسه ترى هل هو قادر حقاً على تحقيق وجوده إن هو شاء أم إنه، عملياً، غير قادر ما دام جاء إلى دنياه غير مخيّر ؟ إن ذاتية الأشياء هي فعلاً خارج إرادة البشر، لأن أحدا منا لم يأت إلى دنياه مختاراً أبويه أو ساعة ولادته أو اسمه أو شكله أو معتقده، وسوى ذلك من أشياء لها ذاتيتها شئنا أم أبينا، ولا دخل لنا فيها، بينما الفعل حين تكون الإرادة مسنده، من البديهي أن يقود صاحبه إلى غايته وإن قوبل، بين الحين والآخر، بمتاعب لم تكن محسوبة قبلاً.
هذه الوقفة بين الوجود في ذاته والوجود لذاته، تبين لنا في الوقت ذاته، كم المسافة بعيدة بين طرفي هذه المعادلة، وكم يصعب التفاعل مع تبعاتها على مستوى العيش، لأن ثمة ما يعيق عملية التوليف بينهما، إن صح التعبير، لكونهما يبدأان أصلاً من نقطة اختلاف، ولهذا الاعتبار من البديهي ألا يتقاطعا معاً في أي حال، ما دامت نقطة الاختلاف هي نقطة الفصل بينهما في هذه الحالة.
من ناحية أخرى، إن خيار الإنسان لجهة ذاتية الأشياء أو لذاته، يضعه في منعطف قد يصعب تخطيه إلى المكان الأكثر استجابة لمتطلبات العيش لديه، وخصوصاً في الزمن الذي يصعب القبول بتبعاته على الحياة المرتبطة بذاتية الأشياء، حيث لا إرادة لإنسان في صنعها أو تحديد مواصفاتها. من هنا يبقى الانحياز لهذه الجهة أو تلك متوقفاً على مدى اتساع تجارب وعمق ثقافة الإنسان، وكذلك قدرته على تسخير تداعياتهما لخدمة وجوده أياً كان شكله، وبهذا يتمكن من التوازن في مساره نحو ما يصبو الوصول إليه، بوعي وحكمة.
بعيداً عن معاناة الكشف عن هدف فلسفة الوجود والعدم، لا بد أن تتاح للمرء فرص العيش براحة بال، وإلا غدا رهينة تبعات مقولة قد تصدر عن مفكر له وزنه في تاريخ البشريّة، ربما كانت على نحو معادلة لزوم ما لا يلزم. ومع هذا كله، تبقى للفيلسوف جان بول سارتر مكانته المميزة في التاريخ الإنساني لا الفرنسي فقط، لأن جهوده في خدمة الثقافة العالمية، حقيقة، لا تقدر بثمن عادي.