الحلم الغربي.. بقلم: هنادة الحصري

الحلم الغربي.. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٣ فبراير ٢٠١٥

من المفارقات المؤلمة أن تشكل الازدواجية جزءاً كبيراً من المنظومة الفكرية الإنسانية, وهذا لعمري يعكس التخبط النفسي واللاانسجام مع الذات المفطورة أصلاً على الخير.
وأكثر ما تبدو الازدواجية واضحة في المجال الإعلامي حيث اتسم بها في مقاربته للأحداث التي تطفو على السطح فالحدث المؤلم الذي جرى أخيراً في باريس في مقر صحيفة شارل ايبدو يكشف بوضوح وجود حالة عداء غربي منتشر ضد الإسلام فبالرغم من أن الإلحاد الغربي الشائع يسخر من الأديان كلها لكنه يخصص الإسلام بتحقير استثنائي.
ولقد تخصصت مجلة شارلي بعد أيلول بإهانة المسلمين كمسلمين في دينهم وليس في حركاتهم المتطرفة.. أما ردات الفعل على ما صدر عن الصحيفة فقد ظهر في اعتراف للرسام العالمي لوز في مجلة ليتراسيون حيث قال إن محمد(ص) أصبح شخصية كاريكاتورية مألوفة وهو بهذا لا يسخر فقط من المسلمين لكنه يزيد من منسوب العنصرية عبر التسلية بتحقير المسلمين..
أما كتّاب آل سعود فقد هتفوا لحرية التعبير ضد المسلمين وللأسف طالبوا الدولة الفرنسية بالحد من حرية التعبير للمسلمين فقط.. وسارعت جريدة المستقبل اللبنانية لِتعنون أنها شارلي بالفرنسية..
لو أن مجلة معادية لليهود تعرضت لعملية اعتداء هل كان تجرأ مثقف واحد أو كاتب عربي على إعلان تأييده لحرية التعبير المعادي لليهودية ولماذا لم يكن الموقف يتمثل بالتعاطف مع الضحايا في باريس مع إدانة مجلة تخصصت في استفزاز مشاعر المسلمين.. ماذا لو أن كاتباً إسرائيلياً تعرض للقتل من قبل عربي هل سيصيح هؤلاء الكتّاب أنا إسرائيلي على أساس أن الإساءة والإهانة ضد المسلمين أقل درجة في العنصرية من الإساءة إلى اليهود أو المسيحيين.. السؤال الذي يطرح نفسه الآن؟ لماذا تكون السخرية من المحرقة ممنوعة وتكون السخرية من محمد (ص) مقبولة؟ وللعلم فإن المحاكم الفرنسية تجرم إنكار المحرقة النازية ولكنها لا تجرم إنكار المجازر للأرمن أليست هذه هي الازدواجية بعينها؟..
كلنا يذكر أن مجلة "هاري كاري" توقفت عن الصدور بعد أن سخرت من شارل ديغول وموته.. أما مجلة شارلي فقد عاودت الصدور وقد تصدرت صفحاتها السخرية من النبي محمد (ص).
إن نقد دين واحد مقابل احترام أديان أخرى يدخل كماً كبيراً من الكراهية والتحريض وهذا ما أكده جاك شيراك الفرنسي حيث وصف نشر صور محمد (ص) في المجلة الدنماركية الساخرة في عام 2006 هو استفزاز مقصود..
والمثير للغضب أن يتقاطر زعماء العالم للحداد على ضحاياهم في حين أن ضحايانا مجرد أرقام لا قيمة لها. وتقام مؤتمرات عالمية لإدانة الجرائم ضد ضحاياهم, فيما تعقد الدول الغربية اجتماعات رسمية لإدانة ضحايانا؟..هي الازدواجية باتت محرك السلوك العام. يقول "تشومسكي" وهكذا تصبح كل الأساليب المستخدمة من أجل القضاء على الخصم وتحقيق الأهداف المعلنة مبررة وتندرج تحت راية "الحرب على الإرهاب" إن إرهاب الدولة الذي تمارسه الولايات ليس جديداً, وقد استخدمته مراراً خلال العقود السابقة لقد حل القرن الجديد جالباً معه جريمتين فظيعتين: الأولى هي هجمات الحادي عشر من أيلول الإرهابية والثانية هي رد الفعل الأميركي عليها ويقارن الكاتب بين الفعل ورد الفعل فيقول: "في الحالتين يجري الزعم بأن هذه الأفعال مبررة بل وتستحق الثناء, وذلك من وجهة نظر القائمين بها التي تتوافق أحياناً في التعابير, ولكن ثمة فارقاً جوهرياً في مقاربة الجانبين فعندما يتحدث بن لادن عن "أرضنا" فإنه يقصد البلدان الإسلامية فقط أما عندما يتحدث بوش عن "أرضنا" فإنه يقصد العالم بأسره. إن هذا الفارق يشكل مؤشراً على قوة كل من الجانبين".
خلاصة القول: يريد الغرب صياغة دين إسلامي وقد حذف من القرآن الكريم ما عليه أن يسيء إلى عملية الترحيب الإسلامي والعربي بدولة إسرائيل.. فهل تعي الأمة الإسلامية ذلك؟......