مصطلحات وما من حسيب!.. بقلم: إسماعيل مروة

مصطلحات وما من حسيب!.. بقلم: إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ١٦ فبراير ٢٠١٥

قرأت مقالات عديدة، واستعرضت زوايا رأي لكتّاب يرون أنفسهم من الأهمية بمكان تعج بمصطلحات غريبة، تصل إلى حد الإضحاك أحياناً، وبعض هؤلاء ممن يظنون أنفسهم مؤثرين، أو ممن وضعوا في أماكن مؤثرة! والغريب أن بعضهم يفعل ذلك، وهو يظن أنه بطل المصطلح الذي لا يجارى، وأحدهم اختار لزاويته عنواناً غريباً (رأسملة الاشتراكية) ومع ما في هذا العنوان من جذب وغرابة، إلا أن السؤال الأهم: من أين تم نحت هذا المصطلح؟ وكيف تم جمع المتضادين في مثل هذا العنوان الغريب حقاً؟ فإما أن يكون الأمر رأسمالية أو أن يكون اشتراكية، فكيف يمكن أن يتم جمع هذين المتضادين؟ وإذا كان أحد دعاة الاشتراكية من الرأسماليين ويتظاهر بالاشتراكية، أو إن كان رأسمالياً في ذاته اشتراكياً على الآخرين، فهل نتحدث عنه شخصياً، أم نتحدث عن الاشتراكية؟ هل المشكلة في المصطلح أم في من طبقه؟ وكيف نخرجه بريئاً وهو الذي أساء للاشتراكية؟ وهل يجوز للفعل الفردي أن يغيّر من جوهر الفكر الجمعي؟
وإذا كان المتحدث قومياً، بعثياً، أو ما شابه ذلك، وهو يملك ما لا يملكه الآخرون، فهل هذا التصرف ينطبق على الشخص أم على الفكرة؟ ألا نذكر من هؤلاء القوميين أحداً، عاش عمره يدعونا إلى القومية وهو في حقيقته أكثر أهل الأرض قطرية؟ وكم نجد من يدعو إلى شد الحزام، وهو بلا حزام أو لا حزام له على الإطلاق، وصارت كرشه أكبر من وطنه؟!
بل الأمر يذهب بعيداً بعـيداً مما يثبت أننا بعيدون للغاية عن الوصول إلى بدايات الطريق للخروج من أول نفق ما نحن فيه! فكل ما تعيشه سورية لم يعلّم هؤلاء أن أموراً تغيرت، وأن أشياء تحتاج منا إلى مراجعة، وبالأمس حضرت محاضرة لصديقين تتناول مشكلات نقع فيها، ومشكلات أوصلتنا إلى ما نحن فيه، أولهما وهو الأساسي في النقاش تحدث في المفاهيم والمنظومات، وقدّم الرسالة الواضحة التي هي وراء انعقاد المحاضرة، وجاء الآخر ليدخل في متاهات رقمية وإحصائية وميدانية، ليدلل على علمه، أو ليقول أمراً ما قد لا يدركه هو، فذكرني بمن دعي مرة للحديث عن أزمة الحياة في سورية، وسرقة إسرائيل للحياة من سورية ولبنان، وبعد أن قدّم المنتدون قراءاتهم السياسية والعلمية، جاء هو ليتحدث عن كمية المياه التي يصرفها الفرد، وتلك التي يحتاجها، ودخل في أرقام الغالونات في الواقع والحاجة والعجز!! ذلك كان في دولة عربية أخرى! وكنت أظن أن الأزمة أو الحرب في سورية، أو الحرب على سورية والوطن العربي كاملاً، أو الصراع على المنطقة برمتها علمنا كيف يمكن أن ننظم أفكارنا لنبدأ من جديد متجاوزين دهاليز الجدل العقيم، ولكن صديقي الذي أحترمه وأحترم علمه استعرض علينا قراءاته وأرقامه وكأنه في منتدى اقتصادي وليس في ندوة عامة، أغلب الحاضرين فيها لا علاقة لهم بهذه الأرقام.
والأدهى تلك المداخلات التي أراد كل واحد فيها أن يعبر عن فهمه، وأن يقول: أنا جدير بالجلوس على كرسي المحاضرة، ووضع كل واحد منهم الحلول التي يراها مناسبة في الموضوع المطروح، وأزعم أن واحداً منهم لم يستوعب الرسالة التي أعادها المحاضر ثلاث مرات في حديثه المرتجل! وتعلق الجميع بشهوة الكلام والحديث وإبراز المعرفة، لتخرج بأننا نعيش في زمان (أبو العرّيف) فالكل يعرف، والكل يحاضر، والكل ينتقد، والكل إن خلا إلى محاضر عبّر إعجابه، وبأنه أفحم الآخر، وإن خلا بالآخر عبّر عن إعجابه به وبأنه أسقط في يد الآخر، وأظهر عدم معرفته!! إن ما نعيشه سيكون طويلاً للغاية، إن لم ننتبه إلى التفكير العلمي، وإن لم نعرف حجمنا الحقيقي، وبأن لكل مقام مقال..