بصراحة.......دون وقاحة.. بقلم: سامر يحيى

بصراحة.......دون وقاحة.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٩ فبراير ٢٠١٥

لا أبرع من قول معروف الرصافي:
لا يخدعنك هتاف القوم في الوطن       فالقوم في السر غير القوم في العلن
صحيح أننا شهدنا تقدماً في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لكننا شهدنا أيضاً تقدماً في استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وانتشار النفاق بدلاً من الوفاق والاحترام المتبادل، والخلط بين الصراحة والوقاحة، بين النفاق والمجاملة بين المصلحة المتبادلة والاستغلال، بين تبادل الآراء والأفكار واستجرار الكلام للإيقاع في فخ، بين الكثير من الأمور التي نعيشها ونعايشها في حياتنا اليومية، التي سمحت ومكّنت أعداءنا من التسلل إلينا، وتدميرنا داخلياً، بعد فشلهم لسنواتٍ طويلة، وبالتأكيد سيفشلون مجدداً وإن كنّا قد دفعنا الثمن غالياً من دماء أبنائنا، وتدمير جزء كبير من مواردنا وإمكاناتنا وفكر شبابنا وتهجيرنا... حتى ضمن بلدنا....
   هنا علينا ألا نلوم البيئة المحيطة والمدرسة والجامع والكنسية إلخ، صحيح أنّها تتحمّل المسؤولية الأكبر، ولكن طالما عرفنا الدواء فلا حجة لنا إلا تناوله، وعدم الاستمرار في التوصيف والتشخيص إلى ما لا نهاية... وأهم هذه الخطوات ابتعاد كل منا عن التنظير وإطلاق الأحكام على الآخر، دون أن يراجع نفسه ولو لمرة في الشهر... أو يضع نفسه مكان هذا الآخر الذي يطلق عليه الأحكام ولا يعرف البيئة التي نشأ بها ولا الظروف التي يمرّ بها... ونفكّر بمصلحتنا على حساب الآخر، متجاهلين إنسانية الآخر والوطن بآنٍ معاً..
      إنّ انتشار الآفات الأخلاقية في المجتمع، والتي أهمها بل أساسها الكذب والنفاق هي التي أودت بنا إلى ما نحن فيه، وخلطنا المصطلحات رغم انتشار وسائل الإعلام والتوضيح والنقاش بها، فالصراحة والوضوح، لا تعني الوقاحة وجرح الآخر، بل الصدق مع الآخر وتنبيهه على الخطأ لتقويمه إن كان مخطئاً، أو إفساح المجال لشرح وجهة نظره إن كان يعتبر نفسه إيجابياً، وقد يصل الجميع لوجهة نظر مشتركة تساهم وتصب بطريقةٍ أو بأخرى لتوجيه أفكارنا، وبالتالي تتوسع الدائرة لتشمل معظم أبناء الوطن..
لنضع باعتبارنا أنّ 10% لا يمكن أن يتفهّموا ذلك، فهم يعتبرون نفسهم أعلى من الجميع، و10% غير مستعدين حتى تقبّل أنفسهم متكيّفين مع واقعهم المزري، إنّما لدينا 80% من أبناء المجتمع يمكن التفاعل معهم للوصول إلى بناء المجتمع، وليبدأ كل منا بنفسه، فكل منا يدّعي أنّه مثقف وينظّر ويقيّم الآخر ويحاكم، عندها فقط نستطيع السير على الطريق الصحيح، ولن نحتاج لسنوات ولا قرون، إنما أشهر معدودة كفيلة بنقل المجتمع إلى الطريق السليم....
        إنّما الأخلاق هي أساس بناء المجتمع، وهي الكفيلة بجعل المجتمع سيد نفسه، أو عبداً للآخر، وأقوى قوّة في العالم لا يمكن لها أن تستغل أو تسيطر على مجتمع تسوده الأخلاق، لأنّ الأخلاق تمنع الكذب، وبالتالي توطّد أواصر التعاون والصداقة والاحترام المتبادل بين أبناء المجتمع، وتمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بل تساهم في جعل التعاون وتبادل المصالح والمنافع بشكلٍ إيجابي وفعّال بما يصب بمصلحة الوطن، الذي هو مصلحة كل فردٍ فيه.
        الأخلاق تمنع النفاق وتجعل الشخص ينتقد زميله أو صديقه أو مرؤوسه أو رئيسه باحترام ومصداقية واقتراحٍ للحلول، ولا يجرحه، ويقدّم له الرأي الواضح الصريح، فقد يكون الشخص لا يدري تأثير عمله إيجاباً أو سلباً إلا إن تم نصحه من الآخر، فعندما نشجّعه على المضي به ونحن ندرك أنّه على خطأ إما خوفاً منه، أو مجاملةً له، نمدّه في فشله وسلبياته، وبالتالي يفشل ويفشل معه المجتمع لأنّه جزء من المجتمع..
          والصراحة لا تعني الوقاحة التي هي عدم احترام الشخص الآخر، بل النصح بأسلوب بنّاء وإيجابي تتلقّفه النفس البشرية بمحبّة، عكس التقريع والتوبيخ والإيحاء بالتكبر والفهم ولو كان محقّاً....
          إنّ أهم صفة أخلاقية نحتاجها، وهي أساس كل الصفات، الصدق، لأنّ الكذب هو آفة المجتمع، والصدق يمنعك من السرقة، والفساد، والاستغلال، والاحتقار، والنفاق، ويشجعك على التعاون والتواصل وتبادل المصالح والآراء والأفكار، والتشاور البنّاء.
    نعم هذه ليست صعبة ولا مستحيلة، ولن تحتاج إلى سنوات كما أسلفت، لأنّ كلاً منا ينظّر ويتكلّم بالأخلاق وضرورتها، وكلاً منا يقول المجتمع والفساد، فليبدأ كلٌّ منا بهذه الكلمة، وعندها سوف نتغير بأقل من سنة............
     لنكن أخلاقيين في كل تعاملاتنا، مع أسرتنا، أولادنا، أهلنا، آبائنا، وطننا، مجتمعنا، وبالتالي سوف ينعكس على كلٍّ منا، وليبدأ كلُّ منا بنفسه. سورية نحن ونحن سورية وكل سوري هو أنا وأنا هو كل سوري بغض النظر عن انتمائه إلا لسورية العروبة والتاريخ والحضارة،... سورية التي عُمرها يربو على سبعة آلاف عام، غير عاجزة عن إعادة تطوير نفسها وإعمارها بسرعةٍ تبهر العالم ببراعة الشعب العربي السوري......... فكلّ من يعيش على الأرض السورية ويستنشق هواءها ويحترم سيادتها واستقلالها هو أحد الأوردة التي تصب الدماء في قلب سورية النابض، والذي لن يتوقّف عن النبض أبداً، سورية هي نحن...........