ماذا بعد الإعلان الدستوري في اليمن؟

ماذا بعد الإعلان الدستوري في اليمن؟

تحليل وآراء

السبت، ٧ فبراير ٢٠١٥

إنه البيان رقم واحد، هذه المرة بالنسخة اليمنية الخالصة، لعله من قبيل الصدفة أو التوفيق أن يتزامن الإعلان الدستوري من قلب القصر الرئاسي اليمني المحرر من الاحتلال السعودي اليوم مع ذكرى انتفاضة 6 شباط 1984 في لبنان، والتي أسقطت مشروع 17 أيار الصهيوني في لبنان والمنطقة وأسست لمرحلة جديدة من المواجهة، مرحلة المقاومة التي قلبت مفاهيم الصراع العربي الصهيوني.
إعلانٌ ربما جاء مفاجئًا في توقيته، فحينما تتخذ قوى المعارضة قراراً كهذا بوجود المبعوث الأممي جمال بن عمر فهذا يشكل صدمةً للأممية الدولية التي تسعى قدر الإمكان الى الحفاظ على ما تبقى من النفوذ الخليجي في اليمن (والجدير ذكره هنا أنّ جمال بن عمر اعتقل في 1976 خلال ما سمي في المغرب بـ"سنوات الرصاص" بسبب انتمائه لحركة سرية تؤيد انفصال الصحراء المغربية عن المملكة المغربية، وهي منظمة "إلى الأمام" اليسارية التي أسسها اليهودي المغربي ابراهام السرفاتي والمرتبطة بجبهة البوليساريو الانفصالية، بالإضافة لدوره الخبيث في مباحاثات الانفصال في السودان وقضية دارفور). لذلك، فإنّ "إملاءات" بن عمر تذكرنا بإملاءات كولن باول لسورية عشية احتلال العراق، مما يعني أنّ الخطوة الجريئة والمتقدمة التي قامت فيها المعارضة ستضعها في مواجهة الاممية الدولية وتضع اليمن مجدداً على خارطة الاستهداف الدولي بكل صنوفه وأنواعه.
من هنا، فإنّ هذه الخطوة، بقدر ما هي مهمة ومفصلية إلّا أنها ترتب على القوى الثورية التي قادت تلك الحركة التصحيحية خلال الأشهر الماضية التيقظ والحذر من المؤامرات والعمليات الالتفافية على هذا الحراك، والمطلوب من القوى الثورية أن تعزز اتحادها فيما بينهما على أساس الشراكة الوطنية وعدم الاستئثار والسعي لحل مشكلات اليمن الجنوبي والشمالي وتطبيق مخرجات الحوار الوطني الذي اتفق عليه بداية العام المنصرم بأسرع ما يمكن، للبدء بعملية الاستنهاض الشامل وبناء اليمن الحديث المستقل والغني بموقعه وتاريخه وثرواته المسلوبة. ولعلّ وجود كل من وزيري الدفاع والداخلية بالإضافة الى رئيس المخابرات في القصر الجمهوري اليوم رسالة أمنٍ واستقرار وجهوزية لمواجهة كل مشاريع التخريب الأمني والإرهاب.
لقد استطاع الإعلان الدستوري اليوم الالتفاف على مشاريع التقسيم المطروحة، ولعلّ وجود العديد من أطياف المكوّن المجتمعي اليمني خلال الإعلان الدستوري رسالة واضحة لرفض التقسيم والسير في قيادة البلاد واحدة موحدة يشارك الجميع فيها دون إقصاء أو تهميش، وهذا ما ثبتته فقرة الإعلان التي لم تلحظ أمراً لحالة طوارئ أو إقصاءً لأي نائب من نواب المجلس المنحل، ولم تغلق باب المشاركة للمعارضات الاخرى ولم تحظر أي حركة تعارضها.
لذلك، فإنّ المرحلة الانتقالية التي لحظها الإعلان الدستوري والتي سيقودها مجالس من مجموع القوى الثورية ستحقق دون شك أهدافها، لأنه وبمشاركة الجميع ستفشل القدرات التعطيلية التي سعت وتسعى الى إدخال البلاد في الفراغ والفوضى، ولهذا سيتوجب على القيادة الجديدة تفعيل الحوار اليمني – اليمني وإنهاء الخلاف القائم مع شيوخ مأرب الرافضين للإعلان والوقوف عند رأيهم لإيجاد صيغة توافقية تحقق لهم مطالبهم وتبدد هواجسهم الموجودة.
لا شك أنّ اليمن اليوم سيواجه تحديات كبيرة بعد هذا الإعلان أو البيان رقم واحد اذا صحّ التعبير، فداخلياً هناك المشاكل الاقتصادية والأمنية والتعقيدات القبلية والطائفية ومشكلة الجنوب، وإقليمياً سيواجه اليمن ضغطاً كبيراً من المتضررين من العملية السياسية وعلى رأسهم المملكة السعودية التي لن تألو جهداً لإفشال تلك العملية السياسية ولو اضطرت الى الاستعانة بالتكفير والارهاب للتخريب عليها، بالاضافة الى الضغط الدولي، فبيان الامم المتحدة الذي نقله المتحدث باسمها "ستيفان دوغاريتش" والذي أعرب عن "قلق" أمينها العام من الوضع في اليمن هو بمثابة عدم رضا أمريكي ودولي لتطورات المشهد السياسي المنفلت من أيديهم، وهذا بحد ذاته سيشكل تحدياً للقوى الثورية لمواجهة تداعيات "الاستياء الامريكي".
في خلاصة القول، إنّ المارد اليمني خرج من القمقم، ولن يعود اليه أبداً، ولعل الخطوات الثابتة والتخطيط الدقيق لقوى الثورة التصحيحية والتي أثمرت كل تلك النتائج، لا بد وأنها تملك في جعبتها الكثير من الخيارات المستقبلية للمواجهة وسيكون لها وحدها الكلمة الفصل في كافة الاستحقاقات القادمة على اليمن. إنها المعركة المصيرية التي ستغير وجه اليمن وكل الخليج، فتدعياتها لن تكون على الداخل اليمني فقط بل ستتخطاه في المدى المنظور الى خارج الحدود لترسم ملامح خرائط جديدة، أول خطوطها اليمن وليس آخرها السعودية والبحرين.
إنّ اليمن، عامود الخليج، وخزانه القبلي، قلب بلاد الحجاز النابض، والصندوق الأسود الذي يحوي كل تجاذبات المنطقة وتقاطعاتها السياسية والفكرية وحتى المجتمعية لما فيه من تداخلٍ قبلي ورصيد تاريخي للحراك السياسي والثوري، الذي أدخله الرئيس المخلوع علي عبد الصالح في غيبوبة لأكثر من أربعة عقود، أمام فرصة تغيير حقيقية، أساسها تحرير اليمن من المفاهيم التي عززت الانقسام والتناحر، السياسي والمذهبي، والتضامن بين جميع مكوناته لأجل تحقيق هذا التحرير، المخرج الوحيد للصراع، والمدخل الوحيد أيضاً للسير نحو بناء اليمن الجديد، وتطبيق "مخرجات الحوار الوطني" التي لا سبيل دونها لحل مشكلة اليمن، ولعودته كما كان، "عامود سماء بلاد الحجاز" ودرة الخليج... واليمن السعيد.