بعد توحيد جبهات المقاومة: الرد «الإسرائيلي» قادم إذا تحققت هذه الشروط..

بعد توحيد جبهات المقاومة: الرد «الإسرائيلي» قادم إذا تحققت هذه الشروط..

تحليل وآراء

الأحد، ١ فبراير ٢٠١٥

 (امتزاج الدم اللبناني والإيراني على الأرض السورية يعبر عن وحدة القضية).
مع التأكيد على «مفصلية» كل ما جاء في خطاب الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر اللـه قبل أمس، إلا أن هذه العبارة تبدو وكأنها تختصر الكثير، إن كان لجهة تشريح الوضع الدقيق الذي تمر فيه المنطقة بالكامل، أو استشراق لتبعاتِ كل ما يمكن أن يحدث مستقبلاً.
هذا الامتزاج الذي وحّد القضية كما عبّر عنه السيد حسن، هو أشبه بذاك الامتزاج الذي عبر عنه يوماً الراحل «محمود درويش» بين «الأرض والحق» اللذين يكوِّنانِ وطناً، فيصبح عشق الموت لأجلهما نهجاً لا يدرك قيمته «أشباه الرجال»، فما نفع أحدهما دون الآخر!
إنَّ وحدة الدم تلك وعلى الأرض السورية، ما هي إلا نتاج تراكم الإرادات الصادقة، والتي تحدَّدت بإطارين أساسيين؛ زماني ومكاني:
في الإطار الزماني، وهنا نتحدث عن تلاقي الإرادات في لحظاتٍ دقيقةٍ، أدت لخلق ما يمكننا تسميته «منظومة المقاومة». هذا الإطار الزماني يبدو كجملةٍ مترابطةٍ في سطر الأحداث التاريخية، قد تكون بدأت حتى ما قبل إعلان الإمام موسى الصدر إطلاق المقاومة في الجنوب قبل أربعين عاماً، ولن تنتهي إلا بتحرير الأرض واستعادة الحق، لأن الفعل المقاوم عابرٌ للقضايا، وهنا ندخل إلى الإطار الثاني وهو الأهم، أي الإطار المكاني.
في الإطار المكاني، بات الحديث الآن حُكماً عابراً للجبهات، أي إن «الإسرائيلي» كان قد تعامل طيلة سنوات الحرب على سورية من مبدأ أنه -كما تركيا العدالة والتنمية- سيكون أحد أكبر المستفيدين من تغذية الحرب وإسقاط الدولة السورية بما تمثل كعقدة وصلٍ مهمة للمحور المتبقي من كرامة هذه الأمة.
أخذهُ التفكير بإقامة منطقةٍ عازلةٍ قوامها «جبهة النصرة»، لكنه بات ومن حيث لا يدري يشرِّع الفعل المقاوم العابر للمكان و«الموَحِّد للجبهات». أرادَ أن يستبق ويحاصِر حصارهُ، ليكتشف أن حبل المشنقة يلتف أكثر، تحديداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن رسالة التعزية التي كان قد أرسلها قائد الجناح العسكري لحركة حماس «محمد ضيف» بشهداء القنيطرة تضمنت صراحةً عبارة «توحيد البندقية المقاومة»، بينما هو لا يزال ينتظر وعود مشيخة قطر باحتواء القيادات السياسية لحماس، تماماً كما ينتظر وعوداً من جماعة 14 آذار بـ«تقشيط حزب اللـه سلاحه». هذه الأحداث بالتوازي مع ما ورد في خطاب السيد نصر اللـه بالأمس تجعلنا نبدو أمام خيارين:
أولاً: قد يبدو الكيان الصهيوني فعلياً وكأنَّه قد هضم رد المقاومة، وأخذ تهديدات السيد حسن بعبارة «ما تجربونا» على محمل الجد. لكنَّ هذا الكلام يعني حُكماً أن «إسرائيل» باتت راضيةٌ بالوضع الجديد لآلية الردع بينها وبين المقاومة الذي امتد فعلياً إلى الأراضي السورية، أم إن هناك شروطاً «غير مُعلنة» لهضم رد المقاومة ونسف قواعد الاشتباك الزمانية والمكانية، وهو العودة بالوضع في الجولان إلى ما كان عليه وما يتضمنه اتفاق الهدنة 1974؟
يبدو أنّنا بديهياً أصبحنا بمحددات وظروف ما قبل هذا الاتفاق؟! مع التذكير أن اتفاق الهدنة بحكم الساقط، تحديداً أن القوات الدولية مكبلةٌ والعصابات الإرهابية -إرهابيةٌ باعتراف دولي بما فيها القرار 2170- تسرحُ وتمرح كيفما تشاء وبدعمٍ «إسرائيلي» كامل. أدرك الكيان الصهيوني أنه من الصعب عليه تسويق نفسه كراعٍ لمطالب الشعب السوري باحتضانه تلك العصابات، ولم يعد من السهل عليه إيجاد طريقةٍ جديّة لإزاحة كابوس اتصال الجبهات المقاوِمة أو ما أعلنه الأسد يوماً عن «إطلاق المقاومة الشعبية في الجولان». هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الوضع في سورية بات أكثر ظلاميةٍ بالنسبة للمراهنين على سقوط الدولة، فالغرب والولايات المتحدة لا يبدو أنهم يعارضون ما جرى في موسكو من محادثاتٍ بين وفد الحكومة ووفود المعارضات السورية. تحديداً إن الثوابت التي اتفق عليها الجميع لا تخرج أبداً عن الثوابت التي تنادي بها الدولة السورية؛ فلا رحيل ولا تسليم سلطات ولا إعادة بناءٍ للجيش على عقيدةٍ يصبح فيها «الإسرائيلي» «مجرد جار»، جميع الأوهام تبدو في طريقها للسقوط تباعاً كما سقط وهم ما يسمى الائتلاف السوري كممثل وحيد للمعارضة السورية.
كذلك الأمر فإن ما يجري في مملكة «آل سعود» بعد تولي الملك الجديد يبدو حتى الآن غامضاً، لدرجةٍ شبه فيها البعض التغييرات التي أجراها الملك الجديد بانقلابٍ كاملٍ على الأذرع التي حكمت نهج مملكتهم في العقد الماضي، حيث لم يبق منهم إلا وزير الخارجية والذي يبدو بحكم الميت سريرياً، تحديداً إذا ما قرر الملك -وفق ما يأتيه من تعليماتٍ- تبديلَ نهج التعاطي مع القضايا الشائكة بما فيها الملف السوري والعلاقة بإيران.
إنَّ سقوط الخطوط الحمراء وارتفاع أسهم المحور المقاوم بعد إجبار الكيان الصهيوني على الخنوع تحت ضرباته قد يكون أشبه بفرصةٍ قد لا تتكرر مستقبلاً إذا ما قرر الحلف المقاوم فتح أبواب جهنم على الكيان الصهيوني، تحديداً أن هناك من يتحدث عن أن الرد لم يكتمل بعد، فإيران قد ترى أن ما جرى هو ثأرٌ من حزب اللـه لكوادره، أما استشهاد أحد ضباطها فهو بمنزلة عملٍ عدواني يستوجب الرد. وعليه، كيف يمكننا أن نقتنع أن قادة العدو لا يأخذون هذا الأمر بعين الاعتبار، وهذا ما يقودنا للاحتمال الثاني.
ثانياً: قد يكون الصمت الصهيوني صمتاً آنياً مرتبطاً بما يتم التحضير له مستقبلاً، بمعنى أن قادة الكيان الصهيوني يعرفون أنهم قد حصّنوا أنفسهم بأمرين:
الأول وهو داعش التي تستنزف الجميع والتي لم يتوان الحاخام «الإسرائيلي» «نير بن ارتسي» بوصفها بالأمس بأن الرب هو من سلَّطها على الدول التي تريد السيطرة على أرض «إسرائيل»، والثاني هو من يسمونهم «الثوار السوريين» الموجودين على الشريط الحدودي. لذا هو غير معني بالرد الآن كي لا تبدو المواجهة «إسرائيليةٌ» مع الحلف بالكامل، ما دام قادراً أن يجعل المواجهة (دينيةً- مذهبيةً) بين حزب اللـه وجبهة النصرة. لكنَّ هذا الأمر لن يطول، فنتنياهو يعلم تماماً أن كل ما جرى أهان ما يسمونه «كبرياء جيش الدفاع» وأنَّ الدخول في الحرب يبدو من المستحيلات قبل الانتخابات، تحديداً فردُّ الحزب جاء في المنطقة التي يعترف له بها البيان الوزاري بحق المقاومة من جهةٍ، وبما لا يتعارض مع القرار 1701 من جهةٍ ثانيةٍ، فكيف يبدو المستقبل القريب؟
يعلمنا التاريخ أنه وبعد مقتل رابين في العام 1995، هناك من تحدث عن ذهاب خلَفِه شمعون بيريز بعيداً في تحقيق السلام، بما فيه الحديث عن «وديعة رابين» وتنفيذها على المسار السوري. لكنَّ بيريز أراد أن تكون خطوته محصنةً بأغلبيةٍ برلمانيةٍ في الكنيست فانتظر الانتصار الكاسح في انتخابات 1996، لكنّه تفاجأ بهزيمته بفارقٍ بسيطٍ أمام نتنياهو نفسه.
اليوم يبدو أن التاريخ سيعيد نفسه، لنكن واقعيين، فالطبيعة العدائية لقادة الكيان الصهيوني وتحديداً من يسمونهم «القادة الذين تربوا على نهج الرعيل الأول لنشوء إسرائيل» ومن بينهم نتنياهو محكومون بفكرة الانتقام والسيطرة. بالتأكيد لم يُسقط نتنياهو من حساباته أبداً الرد، وواهمٌ من يظن أن الكيان الصهيوني بطبيعته العنصرية القائمة على دولةٍ بلا حدود سيكون هناك حدودٌ لمغامراته. وعليه يبدو أن نتنياهو ينتظر فيما يبدو نتائج الانتخابات القادمة، فإما أن ينهزم ويخرج من المعادلة السياسية ويتحرر خليفته من ثقل الثأر، أو أن يفوز بكتلةٍ تجعله يسوِّق لكلِّ طموحاته بما فيها مغامراته بالحروب للدفاع عن وجود «إسرائيل». قد ينجح وينال الأغلبية المطلوبة، تحديداً أن الناخبين في الكيان هم صورةٌ عن حكوماتهم، تماماً كما أن جزءاً كبيراً من الناخبين الأتراك هم صورةٌ عن حكومة أردوغان، ولولا أنهم متطرفون بالفطرة لما جاؤوا بحكوماتٍ متطرفةٍ. لكنَّه بالتأكيد سيغامر بـ«وجود إسرائيل» إذا ما غامر بالثأر.... أوليست أوهن من بيت العنكبوت؟!