عقلنــــة القرار. بقلم: سامر يحيى

عقلنــــة القرار. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ يناير ٢٠١٥

  بكل تأكيد إنّ دور الحكومة هو إدارة موارد البلد وطاقاته، وتوجيه إمكاناته بالوجهة الصحيحة، ووفق ظروف البلد والإمكانات المتاحة، بما يلبّي تطلعات الغالبية الأكبر من الشعب، وواجب هذه الحكومة الأمانة وبذل الجهد الكافي، وعدم الشكوى من المواطن مهما كانت شكواه باطلة ومغالياً فيها بنظرهم لعدم اطلاعهم على الأرقام الدقيقة، بل دورها أن تشرح وتوضّح وتضع المواطن بالصورة الصحيحة لكي يستطيع الوقوف معها، ويتفّهم قراراتها، وعندما ينتقدها المواطن، فهذا يعود لضعف في التعبير عن نفسها، وتتحمله بالدرجة الأولى وسائل الإعلام الوطنية، العامة أو الخاصة، فدورها ليس التهجّم على الحكومة أو قراراتها أو الوضع على الأرض، تحت شعار "الإعلام الاستقصائي" إنّما صلة الوصل بين الحكومة والشعب، وعلاقات عامة هدفها نقل ما يحتاجه الشعب للحكومة، ووجهة نظر الحكومة للشعب ووضع الاقتراحات والحلول المناسبة من أجل مصلحة الوطن والمواطن بآنٍ معاً، ومن هنا تنبع أهمية القرار الذي تأخذه أي حكومة في إدارة، البلد، لأنّ القرار ما هو إلا إعلان للإدارة بقصد إحداث أثر قانوني يؤدي إلى التنفيذ المباشر، وقبل أن يتّهمني أحد بأيّ اتهام كان، أود القول بأنني لست محللاً سياسياً ولا اقتصادياً ولا كاتباً، إنّما بصفتي مواطناً عربياً سورياً، أشعر بمعاناة أبناء وطني، وجدت في قلمي أن يطرح فكرة تفتح الباب لأفكار كثيرة أكثر قابلية للتنفيذ على أرض الواقع، فأهل الاختصاص هم الأدرى، ودائماً التشخيص السليم، يؤدي لوصف العلاج المناسب، ويتبقى الدور الأهم على حسن تطبيق وتناول هذا العلاج.
      إن جلّ ما نحتاجه في هذا البلد الذي يتعرّض ـ كونه قلب العروبة النابض ـ لأسوأ حربٍ في تاريخ العالم كلّه، أن نعمل على تشكيل نواة لفكرةٍ بنّاءة وإيجابية ومدروسة من الجميع للمساهمة في بناء الوطن، وإعمار البشر والحجر على حدٍ سواء، فالبشر بحاجة لكي يُبنى بالطريقة الصحيحة الحجر السليم الصحيّ، ليستطيع العيش تحت سقفه، وحماية نفسه من غدرات الزمان، وواجبنا جميعاً طرح الأفكار والمشكلات والحلول بآنٍ معاً، للوصول لنتائج إيجابية جدية وبنّاءة، فلا شكّ أنّ الانتهازيين والمنافقين موجودون بكل مكان، وهذا شيء طبيعي في كل زمانٍ ومكان، ولا يجب أن يكونوا عثرةً في وجه أي منا.. كونهم لديهم القدرة الفائقة على التلّون ومن الصعوبة بمكان ـــ إذا تكلّمنا بواقعية ومنطقية ـ كشف هؤلاء الانتهازيين، فالحل الوحيد هو اللجوء للدراسات السريعة البعيدة عن التسرّع، والجدية المبنية على الحوار والنقاش البنّاء بين أكبر مجموعة ممكنة ضمن إطار الموضوع، ومن ثم تضييق الفجوة حتى تكون بين صناع القرار، للتنسيق بين إيجابيات القرار وانعكاساته على الواقع بشتّى جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى المستقبلية.... فبالتأكيد تختلف النظرة من مواطنٍ لآخر، ومن مسؤولٍ لآخر...............
      إنّ الجمهورية العربية السورية، بدأت بخطوات جبّارة مع قيام الحركة التصحيحية المجيدة في نهاية عام 1970، ولم تكن تنقص هذه التجارب سوى المتابعة والتطوير والتحديث عليها، لا استبدالها وتغييرها جذرياً، لأنّ مجرّد التفكير بتغييرها جذرياً بعيداً عن الدراسة الجدية الكافية، ما هو إلا انقلاب لمرحلة هامة أثبتت فيها سورية صوابية موقفها، وقدرتها على تحدّي العالم، ولاسيّما بعد أقل من ثلاث سنوات من بدء تجاربها استطاعت كسر شوكة الكيان الصهيوني الذي كان يدّعي أنّه لا يقهر، وأثبتت وبكلٍ ثقة أنّ الاعتماد على الذات هو الحل الوحيد لبناء دولةٍ قوية ذات اقتصادٍ متين، وخاليةٍ من الديون، وغير قادرٍ أحد على أن يفرض عليها أي شرط، سواء كان صديقاً أم عدواً، قريباً أم غريباً، تأخذ النصائح ولا تأخذ التعليمات، تناقش وتشاور، ولا تتلقى الأوامر... فالدور الذي يجب أن يضطلع به صانع القرار هو متابعة المسيرة بشكلٍ جدي، وفق التطورات على أرض الواقع، وكذلك التطوّرات الدولية التي تتغير في الساعة أحياناً وليس فقط في الأيام أو السنوات، إنّ الانطلاق مما بين أيدينا هو السبيل الوحيد لكي نتفوّق على أعدائنا، ونضيّق كل الفجوات التي يتسلّل منها العدو إلى بلدنا، ولا نكون حقل تجارب بل نكون صناع الابتكار ونعطي الدروس للآخر، كما هو عهد السوريين دائماً، وتكون قراراتنا منطلقةً من نجاحاتنا وتفادي سلبياتنا، ضمن إمكاناتنا وواقعنا، لا من واقع الآخرين وتجاربهم... وعندها لا نترك الفرصة لظهور قرارات ظاهرها إيجابي، وانعكاسها سلبي، على المواطن الذي مازال ولن يتخلّى عن ذرّة تراب من وطنه مهما ضاقت عليه السبل والظروف، ويترتّب على من يدير البلد أن يمدّ له يد العون للاستمرار في هذا الصمود وهذا النصر...
     نعم تستحق سوريتنا أن تتشارك الأفكار بين الجميع، والاستفادة من التجارب الماضية، وأن يتشارك الجميع بصناعة القرار بدءاً من طلاب الجامعات في سني التخرّج والدراسات العليا حسب الاختصاصات، والموظفين، وصولاً للمدراء ومعاوني الوزراء، لتكون الخلاصة بين يدي الوزراء لأنّهم يجمعون بين القرار السياسي والتوجيهي والتنفيذي ومتابعته بآنٍ معاً..
           نعم إن سوريتنا تمرّ بمرحلة حرجةٍ جداً، وبالتالي المطلوب أن تتصرف الحكومة بعقلانية وحكمة، وهنا لا أشّك بوطنية أحد، ولكن من واجب الحكومة أن تشرح ما تمرّ به للمواطن لكي يستطيع مساعدتها أولاً في تقبّل قراراتها ولو شعرها سلبية عليه في المرحلة الأولى، إن كانت ذات بعدٍ إستراتيجي، وأن يقدّم أفكاره لمساعدتها باقتراحات أكثر جديّة وقابلية للتطبيق على أرض الواقع، بدلاً من الشكوى والذم والشتم، أو المديح والإطراء، والأهم هو الابتعاد عن دوامة النفاق والتذمّر بعيداً عن الوطنية وخدمة وطننا وأبناء وطننا..
          إنّ نظرة بسيطة لما سميّ مؤخراً "بعقلنة الدعم" بإصدار مرسوم من السيد رئيس الجمهورية بدعم كل موظّف حكومي بـ 4000 ل.س بدل تعويض معيشي، ورغم ضآلة هذا المبلغ بالنسبة للمواطن العادي، لكنّه كبير جداً على موازنة الحكومة ويشكّل مبلغاً لا بأس به .. لكنّه يبقى جزءاً بسيطاً من المبلغ الذي تقدّمه الدولة مقابل الدعم السنوي والذي يبلغ 948 مليار ليرة سورية تقريباً، وإذا افترضنا أنّ عدد سكان سورية حسب تقدير المكتب المركزي للإحصاء عام 2014، اثنان وعشرون مليوناً ونصف المليون، فإنّ مقدار نصيب ما يناله المواطن من هذا الدعم، لا يتجاوز الخمس وأربعين ألف ليرة سورية سنوياً، بينما هذا المبلغ قد يكون متوسّط كفاف عائلة لمدة شهر واحد فقط لا غير، في ظلّ انتشار تجّار الأزمات ومنتهزي الفرص، أليس التفكير الجدي بإنشاء الصندوق الوطني للتنمية الاجتماعية، هو حل مقترح لإنقاذ سوريتنا، وتوجيه الدعم بالشكل الحقيقي، لكل مواطنٍ في الجمهورية العربية السورية، آخذين بالاعتبار المقيمين في الوطن، وخارجه، والفعاليات الاقتصادية والإنتاجية بعد دراسة جديّة لها، فليس من الصعب تقديم إحصاء دقيق ولاسيّما أنّ لدى العديد من الجهات العامة، نسبة كبيرة جداً من قاعدة بيانات صحيحة، يتم منح التعويض المعيشي لكلّ مواطنٍ حصل على البطاقة الشخصية استناداً للرقم الوطني، وللمنشآت التجارية والصناعية والخدمية، وفق السجل الخاص بها، ودورها وتأثيرها في الحركة الاقتصادية والمعاشية في المجتمع، استناداً لما تقدّمه للمجتمع من خدمات وإنتاج، ليتناسب الدعم المقدّم لها وفق ما تقوم به من إنتاج، إضافةً لمراقبة عملية توزيع المحروقات في كافّة محطات التوزيع رغم توفّر كل الإمكانات ولا تحتاج سوى التوجيه بالوجهة الصحيحة والحقيقية... بالإضافة إلى المساعدات المالية المقدّمة من المغتربين السوريين، فلن يضير نسبةً لا بأس بها تتجاوز المليوني مغترب على الأقل من تقديم عشرة دولارات شهرياً، لتغذية هذا الصندوق، مما يبعده عن المساومة والخضوع لاعتبارات أو أخرى، ولا نقع تحت دينٍ من قبل هذه الدولة أو تلك، إضافةً إلى الاستثمارات التي يقوم بها هؤلاء المواطنون العرب في المغتربات، عبر ضخّ إنتاجهم في القطر، ولاسيّما تأمين المواد لإعادة الإعمار، مضافاً إليها مبلغ الدعم المخصص، حيث تتشكّل هيئة الصندوق من المؤسسات ذات الصلة، ما يجعله رديفاً للموازنة العامة للدولة، لا يشكّل عبئاً لها، وتكون سورية السباقة في مجال البناء والإعمار... بعيداً عن كل التجاذبات السياسية والدولية التي تعصف بالأمة العربية كلها وليست سوريتنا فقط، ورغبة الاستعمار القديم بالعودة من بوابة المساعدات الاقتصادية واستغلال مطالب الشعب تحت شعار مساندة المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وتدمير كل أمل لدى الشعب لتطوير نفسه بنفسه دون الاعتماد على الآخر. 
نعم سوريتنا تستحق منا كل الخير، وتستحق منا كل الجهود، وتستحق منا الكثير من العطاء للقيام بدورٍ بناءٍ كل من مكانه وكل من موقعه..