الملك »أمن» يخلف عبدالله، وسلمان مرحلة العبور للجيل الثالث

الملك »أمن» يخلف عبدالله، وسلمان مرحلة العبور للجيل الثالث

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ يناير ٢٠١٥

 من يتابع حساب الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على تويتر للشهرين الماضيين، أي قبل أن يصبح ملكاً، يجد أنّ الأمير "آنذاك" كان يقوم بكل مهام الملك بالوكالة حيناً وبالأصالة أحياناً. لعلّه أمر طبيعي في ظلّ الوضع الصحي المتهدور للملك عبدالله، ولكن بتدقيق بسيط لنشاطات الأمير "الملك"، نجد أنّ الأمير حينها كان يركّز على الجانب الأمني في مجمل لقاءاته، من اجتماعه برئيس الصناعات العسكرية السعودية الى لقائه الملحق العسكري الكويتي ثم وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لورديان ومن قبله وزير الدفاع الإسباني، ومن ثم رعاية تدشين طائرات إي2000 وتي21 المتخصصة بالتجسس على علوّ منخفض. تبع ذلك زيارة قاعدة الرياض العسكرية ثم لقاؤه قائد القوات البحرية الباكستانية فالإجتماع برئيس الاركان وقادة أفرع القوات العسكرية والتأكد من جهوزيتها وذلك في 7 كانون أول الماضي، وفي نفس اليوم لقاؤه برئيس المخابرات المصرية محمد فريد التهامي وقبلها وزير الدفاع البولندي توماس سيمونياك. أما اللقاءان الأهم فهما لقاء المبعوث الخاص بالائتلاف الدولي لمحاربة داعش جون ار الان ولقاء الوفد الأمني الرفيع من رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة وقادة الالوية وكبار ضباطها الذين أتوا فقط "لإلقاء التحية عليه" مباشرةً بعد زيارة قائد القيادة المركزية الامريكية جيه اوستن.

هذا النشاط الأمني المكثف والحساس في توقيته وحساباته لا يدل البتة على رجلٍ طاعن في السن ويعاني الألزهايمر، وهو إن دلّ على شيء، فهو حتماً يؤشر الى بداية انتقال المملكة من مرحلة "ادخلوها آمنين" الى مرحلة القلق الوجودي والكياني وغياب الامان.
لا شك أنّ الرسالة الأولى من تعيين آخر "السديريين" ملكاً على العربية السعودية هي للإيحاء بأن لا خوف على الاسرة الحاكمة من التفكك العائلي الذي كان متوقعاً في حال موت الملك، وهذا الانتقال السلس يبعث برسائل استقرار وسيطرة ودحض "للشائعات"، وأيضًا من خلال هذه التعيين "المبارك أمريكياً" رسالة أخرى تفيد بأنّ المملكة وحلفاءها الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة ماضية في سياسة المواجهة التي اتبعها السلف، سيما وأنّ "ملك الأمن" الجديد هو أكثر تشدداً في موافقه حيال ملفات المنطقة والملفات الداخلية، وهو لم يخف سابقاً امتعاضه من بعض "الانتفاح" الذي كان يقوم فيه الملك عبدالله فيما يختص بالمسائل الدينية والعلاقة بين المؤسسة الدينية التي تتزعمها عائلة آل الشيخ والمؤسسة السياسية التي تتزعمها عائلة آل سعود.
ولكي يتلاقى مشروع "عسكرة المملكة" بمشروع الانتقال الآمن للجيل الثالث بتكريس موقع النائب الثاني للملك وإعطائه لمحمد بن نايف كولي لولي العهد كان لا بدّ من الاطاحة بالامير متعب بن عبدالله وطقمه السياسي من بندر بن سلطان الى خالد التويجري في حالة تشبه الانقلاب كما سماها الامير الخفي (مجتهد) على تويتر. ولعلّ إسناد المرافق الامنية لكل من نجل الملك محمد بن سلمان (وزيراً للدفاع) ومحمد بن نايف المتمكن امنياً (وزيراً للداخلية) وحمد العوهلي للحرس الوطني، تحضيراً للمرحلة الامنية القادمة التي تأخذ على عاتقها مواجهة التخلخل الداخلي بقبضةٍ من أمن ومواجهات التحديات الخارجية الاقليمية منها والدولية في آنٍ واحد، فالخطر الداعشي على حدود المملكة يشكل تهديدًا كيانيًا لها، والمشهد اليمني معطوفٌ على ما يجري في البحرين يشكل تحدياً كبيرًا للحكم الجديد، بالإضافة الى ملفات أخرى من سوريا الى العراق الى الأمن النفطي وغيره العديد من المشاكل.

لا شك أنّ التغييرات المرافقة لاستلام الملك سلمان ستؤسس لنوع جديد من المعارضة وهي المعارضة "العائلية" التي ستعتبر ما جرى انقلاباً، الا انه لا يمكن التعويل عليها اذا ما كانت مدعومة من اصدقاء بندر ومتعب والتويجري في واشنطن وهذا سيشكل اختباراً للولايات المتحدة إن كانت فعلًا تريد استقراراً للحاكمية السعودية من خلال هذه التعديلات كمخرج لإنهاء أزمة الحكم وتكريس الاستقرار العائلي للعقود القادمة أم انها ستلعب على التناقضات المستفحلة ضمن العائلة للابتزاز الدائم الذي يمكنها دومًا من السيطرة على القرار السياسي السعودي من خلال هذه المشكلة.
المملكة ستحاول تعويض الخسائر السياسية والاقتصادية والمعنوية التي منيت بها في السنوات الأربع الأخيرة، ولكن يبقى الرهان في أي منحى ستتجه تلك "القيادة الصلبة "، وهل تستثمر العهد الجديد بتصفير المشاكل مع إيران وسوريا والعراق وغير مكان أن تتبع النهج القديم (وهو المرجح شكلاً ومضموناً)؟
إنّ القرار بيد "الملك امن" الجديد، فهو الخبير بخفايا ودهاليز اللعبة الدولية وهو القادر على اتخاذ القرار بين مسك العصا من الوسط أو استكمال اللعِب بالنار.