عصر التغيّرات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

عصر التغيّرات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٣ يناير ٢٠١٥

إنّ العصر الجديد هو عصر التغيرات، لقد تغير كل شيء في عالم اليوم، حتى مفهوم القوة نفسه قد تغيّر فلم تعد الخيول والسيوف والرماح رمز القوة، بل انتقلت قوة الخيل إلى ما يسمونه بقوة (الحصان)؛ لقد أصبح العلم والتكنولوجيا رمز القوة والتقدم، وفي الماضي كان رجل واحد يحكم أما الآن فالأمر قد تغيّر، وتوجد أنماط مختلفة للحكم تلعب قوى متعددة دوراً هاماً في توجيهها، وقد كانت الحكومة أكبر قوة فيما مضى، أما الآن فالصناعة والاقتصاد والتجارة هما أكبر قوة في ضوء المقاييس العالمية، لقد جاء العصر الحديث بقوى جديدة يمكنها أن تعين شعباً ما أو طائفة معينة على الحكم، من هذه القوى الضاغطة قوة الإعلام الذي بدأت إستراتيجياتها بـ(الصحافة) ثم تمثلت الآن بما هو أنفذ تأثيراً في مفاعيله البنائية الإيجابية أو في قوة فتكه ليخرب أو يدير أو يوجه أمماً وشعوباً أو حكومات وسياسات كما نرى في هذا الانهمار المتهور أو المسكر الذي تغلغل إلى شعوبنا العربية والإسلامية، وإلى أية دولة يُراد لها أن تهتز أو تضطرب أو تتفكك حتى انصدع على أثره التراحم والتعارف الأخلاقي في الكبار والصغار ذكوراً وإناثاً، وانساقت على خطاه مصالح انتهازية وكراهيات لم يصدها أي جهد أو ما نملكه من قوى دينية وتربوية وتوجيهات إرشادية حكيمة قد توصّفت، على مقتضى الأهواء الفردية أو الحزبية أو الاعتبارية في هيئات الأمزجة التي لا تتقي ولا تتورع فيما تتعداه وتتجاوزه من قدسية المكونات الإيمانية والإسلامية وما يترابط معها من قيم، وذلك لإرضاء النهم النفسي الهوائي الشيطاني الذي وصل إلى حد استعصى عليها النصحُ أو تقبلُ الحقيقة الجريئة، ولو كان في هذا الاستعصاء اعتداء على ثوابت النصوص وأركان العصمة الربانية؛ فظهرت من هذا العناد والتعنت انفصامات بين تلك الأركان الشريفة، وبين من يزعمون أنّهم يمثلونها: (أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً)؟، ولم يعد يردع فئات من هؤلاء مفاهيم (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)، وكان الله تعالى في عون شعوب هذه الأمة وعوام أهلها الذين تحيروا وضاعوا ما بين المراجع والمرجعيات حتى استعصى علينا وعليهم تثقيف مفاصل العلم والمعرفة في مقولة (لا اجتهاد في مورد النص)، وهذه النقطة من هذا البحث هي أخطر ملحوظة وأهم أولوية فيه لأنّها المبعث النفسي والقلبي الذي يملكه كلّ مسؤول منها، وخصوصاً من يؤتمنون على رعاية أي خطّ من خطوط التنفيذ لمشاريع أبنية الوطن والأمة والإنسان على جناحي (في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)، وخصوصاً بما لفّنا من أغطية غفلات صنعناها أو صنعت لنا وسط هذا الصراع العالمي الفاحش الذي تدفع ثمنه العظيم المؤلم سورية وشعوب الأمة على اختلاف سياساتها، ونحن قد طال بنا زمن الالتفات والحذر المفقود أو اليقظة المتراخية.. إنّ نكستنا الراهنة ترجع حقاً إلى تجاهلنا التغيّرات التي طرأت على العصر، وإلى عدم امتلاكنا القوى الجديدة التي تمخضت عن هذه التغيّرات، وعلى سبيل المثال فإنّ جميع حركات النهضة التي قامت على امتداد العالم الإسلامي خلال ما يزيد عن المئة سنة الماضية لم تهدف إلا إلى هدف واحد هو إنهاء السيطرة الاستعمارية الغربية، والحصول على الاستقلال، وقد أنفقنا في سبيل هذه الغاية ما لا يحصى من الوقت والمال والتضحيات، ولقد توصلنا تقريباً إلى هذا الهدف، ولكن هل تتمتع شعوب هذه الأمة وحكوماتها والمسلمون اليوم بنفس المكانة التي تمناها مجاهدو الحرية في أحلامهم بالأمس؟ ولا جواب لهذا السؤال إلا بالنفي المطلق!.
(للحديث بقية)