السعودية، هل دقت الساعة؟

السعودية، هل دقت الساعة؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ يناير ٢٠١٥

 وقع المحظور وحدث ما كان متوقعاً وفي الحسبان، هجوم داعشي على نقطة حدودية بين السعودية والعراق، ربما هذه ليست المرة الاولى، فقبل أشهر أُطلقت صواريخ ستة باتجاه الأراضي السعودية ولم تسفر عن إصابات، كانت الرسالة حينها "نحن هنا على حدودكم فتفكروا"، أما اليوم في المكان والتوقيت والشكل، فالضربة تعكس تطوراً خطيراً في النوايا والأهداف، في توقيتٍ قاتلٍ سياسياً وأمنياً بالنسبة للمملكة التي تعيش تخبطاً عائلياً بين أفراد العائلة الحاكمة يشتد سعيره مع دخول الملك عبدالله بن عبد العزيز وحدة العناية الفائقة والشائعات حول وضعه الحرج والموت الدماغي الذي أصابه، أضِف الى الانتكاسة الصحية للملك الانتكاسات الإقليمية وتراجع النفوذ في اليمن وغير مكان وأهمها سقوط مشروعها الرامي لإسقاط النظام في سوريا، بالإضافة الى تداعيات اقتصادية كبيرة من جرّاء لعبة الأسعار النفطية وتهاوي البورصة.

هذه التطورات تأتي في مرحلة دقيقة وحساسة تمر فيها المملكة العربية السعودية، فالمملكة التي حكمت وتحكّمت بالدول الخليجية والدول العربية والاسلامية على مدار الخمسين عاماً الماضية، من دورها في انقلاب ضياء الحق على علي بوتو في باكستان و"الإرساليات" الوهابية التي اجتاحت باكستان فسمّمت مجتمعه وانتقلت الى أفغانستان فكانت طالبان ومن بعدها مجاهدي البوسنة والهرسك وما بينهما من تورط سعودي مخابراتي لا يخفيه ريتشارد سيمبسون في كتابه "الأمير"، والذي يكشف فيه عن دور بندر بن سلطان في ادلجة مسلمي أوروبا ودول البلقان والجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي، مروراً بدوره الخبيث أيضاً إبان الحرب الخليجية الأولى (الحرب العراقية الإيرانية) والعملية الاحتيالية الكبرى التي قام بها متلاعباً حتى بحلفائه الأمريكيين يومها وبالملك فهد نفسه، حيث استطاع أن يخدع مليكه والإدارة الأمريكية بصفقة السلاح الصينية المشبوهة التي تضمّنت صواريخ محظورة نقلها الى المملكة وأخفاها في منطقة الجوف دون علم الجميع وتحت ستار دعم صدام وإمداده بالسلاح لمواجهة إيران وإغراء الصينيين لوقف تصدير السلاح لإيران آنذاك، الى أن كشفته المخابرات الروسية فكانت أزمة طائرة الاي واكس والخفايا التي أخّرت تسليمها للمملكة.

وفي الحرب الأهلية اللبنانية وما بعدها، لعبت المملكة وما زالت دور المهيمن على القرار السياسي اللبناني عبر احتضانها واستئثارها بمكوّن أساسي في التركيبة اللبنانية، أي الطائفة السنية، فكانت السلامية السياسية (نسبةً الى بيت سلام) ثم الحريرية السياسية التي أثقلت كاهل الدولة اللبنانية بالديون وأنهكته ورهنته للمصارف المحلية التابعة لها وللبنوك الدولية التي تسير في فلكها، فسقط شرفاء نظيفو الكف كأمثال سليم الحص في انتخابات ممولة خليجياً بتكنة زيت ومئة دولار للصوت الواحد.

أما بعد اغتيال الحريري، والذي جاء اغتياله في سياق استهداف سوريا وحزب الله والمقاومة، فلقد كان خيار الحريرية السياسية التابعة للمملكة دعم التطرف "السني" بكافة أوجهه ووضعه في مواجهة حزب الله وسوريا، في محاولةٍ لإنهاء ما عجز عنه الإسرائيلي في عامي 2000 و2006. فدخلت سوريا وخلفها لبنان في أتون صراعٍ ليس من السهل إنهاؤه.

أما الثمرة الأخطر التي أنتجتها تلك الشجرة الوهابية الملعونة فكانت داعش في العراق، تلك المنظمة الإرهابية التي عزز وجودها وقيامها أولًا الفكر الوهابي والعقيدة الايديولوجية المتطرفة والتي وجدت حاضناً قويًا لها بعد زرعها وسقايتها على مدى عقد من الزمن بدعم من بول بريمر ومخططاته الشيطانية فكانت النتيجة تعاظم قوة داعش في العراق وسوريا وغير مكان وتحولها الى تهديد وجودي لكل دول المنطقة بالإضافة الى استعمالها غربياً، وخصوصاً أمريكياً، لابتزاز أمراء النفط وعلى رأسهم المملكة لشفط ملياراتها كما كان يحدث في الحربين الاولى والثانية في الخليج، وتصريف أطنان السلاح المكدس في أميركا وإنعاش صناعته.

وفي خضمّ هذا السرد كله لا بد من الاشارة الى الدور السلبي والتصادمي الخطير الذي لعبته المملكة بحق جارتها في المقلب الآخر من الخليج الفارسي، فالمملكة التي كانت بأسوأ ممارساتها الدبلوماسية تحافظ على خطاب مبهم ومخفف اتجاه العلاقات الإيرانية – السعودية، وكانت تحرص على إبقاء خط التواصل مفتوحاً مع طهران وتعزز الحوار كلما اشتد الخلاف حول ملفٍ ما أو تضاربٍ ما في موقف أو مصلحة هنا وهناك، إلّا أنّ الدبلوماسية السعودية، وخصوصاً في السنوات الأربع الأخيرة التي واكبت الحريق العربي، جعلت التوتر وهواجس الخوف من التغيير دبلوماسية السعودية تخرج عن طورها وتعلن العداء المباشر وتوصف النظام الإيراني بأبشع التوصيفات، مما أدى الى تدهور دراماتيكي في العلاقة ليصل الى أقصى درجات العداء والمواجهة التي تمثلت بموقف وأداء المملكة في المنطقة الشرقية ذات الاقلية الشيعية وفي البحرين.

في خلاصة هذا التوصيف السريع نجد أنّ المملكة في السنوات الأخيرة راكمت "الأعداء" في كافة الاتجاهات، واشترت خصوماً بملء إرادتها ووعي إدارتها، وقبل أن ندخل في الحديث عن أجنحةٍ خبيثةٍ داخل إدارة الحكم أرادت وعن سابق تصميم أن تغرق المملكة بهذا الكم من المشاكل تمهيداً "للتغيير من الداخل" الذي تحدث عنه منظرو الغرب وكتابه وأجهزة مخابراته مراراً وتكراراً، علينا أن نسأل عن سر البرود بالعلاقة بين واشنطن والرياض، وعن شحّ الزيارات للرئيس أوباما الى المملكة (زيارتان فقط في فترتي حكم)، وعن أسباب سقوط سعر برميل النفط الى الحضيض تزامناً مع بدء استخراج النفط الصخري الأمريكي الغالي التكلفة في الاستخراج، وأيضاً علينا أن نسأل عن سر العلاقة بين أجهزة الحكم السعوديين وعلى رأسهم بندر بن سلطان وسعود الفيصل مع جماعة الجمهوريين الذين يحاولون إسقاط أوباما بدعمٍ مالي مفتوح من المملكة وبسعيٍ لتفشيل التسوية بين إيران والغرب وبين دمشق وواشنطن.

لم يعد خافياً على أحد بأنّ استحقاق تنصيب ملك سعودي جديد في ظل الخلافات المستفحلة بين أبناء العائلة السعودية ليس بالأمر البسيط هذه المرة، وقد يكون منعطفاً تحولياً في تاريخ المملكة في ظل صراع الأجنحة وصراع الأبناء وأولاد العم، وهذا ما قرأه جيداً تنظيم داعش المأزوم في العراق حالياً ومن وراءه ممن يريدون تصفية الحسابات الجمهورية والديموقراطية مع الجناح المناهض لأوباما، ولهذا، يجد التنظيم فرصةً للهروب الى الأمام بفتح ساحةٍ جديدة من بوابة عرعر أو غيرها من المناطق الحدودية، ما دامت الحدود مع المملكة طويلة جداً (814 كلم مربع) وما دام الجندي السعودي الذي خسر معركته مع حفاة لا يملكون إلّا بندقية من الحوثيين في أواخر الـ2009 غير قادر على مواجهة "البطش الداعشي"، وما دام البعض من هؤلاء الجنود ينتمون وهابياً الى الفكر الداعشي، فالمسألة تستحق المحاولة والعناء. وهنا لا بد من الاشارة الى أنّ أغلب الشعب السعودي مؤدلج بالفكر الداعشي مما يشكل حاضناً جاهزاً وحاضراً إذا ما حصل الاختراق، وللإشارة، فإنّ العقيد البلوي الذي أصيب في الهجوم كان مسؤولاً عن تهريب المقاتلين السعوديين الى العراق وتسهيل مرورهم وهو يؤكد فكرة الانتماء الوهابي للفكر الداعشي.

أمام كل هذه التطورات الداهمة على المملكة ليس أمام نظام الحكم فيها إلّا أن يراجع حساباته سريعاً وقبل فوات الأوان، والسلاح الوحيد الذي من الممكن أن يحميها هو العقلانية، فهل تتخذ المبادرة وتعيد تشكيل خياراتها السياسية بما يتوافق مع التحديات، أم أنّ السيف سبق العذل، ودقت ساعة المملكة بتوقيت مكة المكرمة نفسها، وبملء إرادتها؟