لماذا سقطت أميركا في امتحان "الربيع العربي" ؟!.. بقلم: د.بسام الخالد

لماذا سقطت أميركا في امتحان "الربيع العربي" ؟!.. بقلم: د.بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ يناير ٢٠١٥

Bassamk3@gmail,com
عندما ننظر إلى عيون القادة الأميركيين وندقق في الاتجاه الذي ينظرون إليه يظهر أمامنا مباشرة "الشرق الأوسط" بصورته الكبيرة، فقد انضمت الكثير من الدول العربية إلى البلدان التي يشعر الأميركيون بعداء شديد نحوها، وقد تنبه الأميركيون بعد أحداث 11 أيلول إلى الصراع- العربي الصهيوني أكثر من ذي قبل، بعد أن أهملوه طويلاً، وكانت نظرتهم إلى القضية الفلسطينية لا تدل على أي اهتمام، لكن خوفهم من عمليات محتملة ضد مصالحهم جعلتهم يظهرون هذا الاهتمام المفاجئ، مع أنّ الإستراتيجية الأميركية لا ترتبط بمنطقة محددة، كون هدفها الرئيس هو الهيمنة الكونية والإمساك بالقرار الدولي وتسيُّد العالم لقرن قادم على الأقل؟
وهنا يتبادر سؤال: لماذا العودة بهذا الزخم إلى "الشرق الأوسط" ؟.. الجواب ببساطة ووضوح يكمن في أنّ السياسة الأميركية تنطلق من إستراتيجية استعمارية تتخذ من منطقة "الشرق الأوسط" مقدمة لابد منها للسيطرة على العالم، وكثيرة هي النظريات التي تحدثت عن تلك الإستراتيجية.
لقد توهمت الولايات المتحدة الأميركية أنّها متفردة في قيادة العالم، وأنّها قادرة على فرض نظامها لحل مشكلات العالم بحسب وصفاتها السحرية، فإذا بها تتخبط في حل مشكلاتها وتكتشف أنّها تكاد تكون "مُستفردة" وتحتاج إلى وصفات الآخرين لإنقاذها وبخاصة في "الشرق الأوسط"، حيث دفعت ثمن دعمها لإسرائيل إخفاقاً تلو إخفاق، فتعثرت في العراق وأفغانستان وإيران، ولعل عجزها في كسب الحرب في العراق منذ عهد بوش الابن إلى عهد أوباما، قد أعاد المصير المذل للولايات المتحدة الأميركية عندما انسحبت من فيتنام!
لقد صور الإعلام الأميركي أنّ قواته على وشك تحقيق النصر في أفغانستان والقضاء على طالبان، بينما الواقع غير ذلك، حيث تتعزز هجمات طالبان وتتوالى انتصاراتها ما يدلل على الكذب والتضليل الإعلامي الأميركي.
أما في إيران.. فقد اتبعت أميركا سياسة مبطنة مخادعة عاجزة، وهددت بالحرب على الرغم من علمها بعدم جدواها وطالبت بفرض العقوبات الاقتصادية، وهذا دأبها، وسعت إلى سياسة الانقلابات وتأجيج حرب أهلية لكنها لم تفلح، وبقيت إيران مستمرة في برنامجها النووي وبقيت الإخفاقات الأميركية مستمرة.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية كان الخداع واضحاً في خطاب أوباما الذي تحدث عن حل الدولتين، لكنه تلقى جواباً مهيناً من "إسرائيل" شكّل إحراجاً وتحدياً لهيبة الولايات المتحدة، الأمر الذي اضطر معه للتراجع والمطالبة باستئناف المفاوضات.
وها هي الولايات المتحدة اليوم تسعى لجني فائدة سياسية واقتصادية مباشرة من الصراع  الشرق أوسطي بإعلانها الحرب على داعش، هذا التنظيم الذي استولدته من رحم القاعدة لتحقق بوساطته فتح بؤر نزاع جديدة لإكمال سيطرتها على الاحتياطات النفطية والمالية الضخمة فـي منطقة "الشرق الأوسط" الذي يحتوي على 64% من الاحتياطات النفطية العالمية المكتشفة، والمتركزة بالدرجة الأولى في دول الخليج العربي المنتجة للنفط، والتي مازالت تحافظ على مكانتها كمخزون نفطي عالمي رئيسي فـي المستقبل المنظور، الأمر الذي يقتضي من الولايات المتحدة العمل الدؤوب لتوفـير حاجتها من الطاقة، وهذا سبب رئيس لتوجه أنظار قادتها لمنطقة الشرق الأوسط بصفتها أهم منطقة في الإستراتيجية الأميركية على الصعد كافة.
الحسابات هذه المرة ليست كالماضي، فقد نهضت روسيا من كبوة الاتحاد السوفييتي السابق وأعادت هيبتها العسكرية وثقلها الفاعل في إحباط مخططات الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وبرزت الصين بقوتها الاقتصادية والعسكرية، الأمر الذي فوّت على الولايات المتحدة إكمال هيمنتها على المنطقة التي بدأتها منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم تعد ذرائع محاربة الإرهاب وحماية الديمقراطية والقضاء على "داعش" ومفرزاته، مقنعة للرأي العام العالمي، ولا للدول الحليفة لأميركا لأنّها، بكل بساطة، فقدت مصداقيتها في امتحان "الربيع العربي" الذي أعاد المنطقة إلى عصور ما قبل التاريخ!!