المرأة الحرة والمتحررة والمرأة المقيدة!.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

المرأة الحرة والمتحررة والمرأة المقيدة!.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ١ يناير ٢٠١٥

من يمعن كلاً من البصر والبصيرة في الموروث الأدبي العربي تالده وطارفه مخطوطه ومطبوعه منقوشه ومنحوته سيمر بنماذج نسوية تنوس بين المرأة الحرة والمتحررة والمرأة المقيدة وسيجد أنّ الحرة هي المرأة (البزرة) أي السيدة التي تمتلك الرأي والقرار مبثوثة في تضاعيف التاريخ والمرويات والأخبار المتناقلة، نموذج هذه المرأة في العصور الغابرة (الخرنق بنت بدر) و(خنتوس بنت لقيط بن زرارة) وقد أسماها والدها على اسم ابنة كسرى؛ و(ريطة بنت عاصم) و(عاتكة بنت عبد المطلب) و(هند بنت عتبة) وهي من ربات الحسن والجمال والفصاحة والفروسية والشعر، كانت أولاً زوجة الفاكه بن المغيرة المخزومي، إلا أنّه اتهمها بالزنا وأهانها. فذهبت مع أبيه وأبيها إلى الكاهن كي يصدقهم القول فيها، ففعل وأظهر لهم براءتها، وطلبها زوجها للعودة إلا أنّها رفضت. و(فاطمة بنت الأحجم الخزاعية) و(الهيفاء بنت صبح القضاعية) و(الفارعة بنت شداد) و(جليلة بنت مرة) وهي زوجة كليب زعيم تغلب وأخت جساس بن مرة مثير حرب البسوس و(حبيبة بنت مالك بن بدر)، و(أروى بنت الحباب) و(تماضر بنت عمرو الشهيرة بالخنساء) وغيرهن كثيرات. وأما نموذج المرأة المتحررة في المراحل الإسلامية الأولى هذا القول لشاعرة اسمها (عشرمة المحازبي):
"فما لبس العشاق من حلل الهوى                     ولا خلعوا إلا الثياب التي أبلي
ولا شربوا كأساً من الحب مرة                       ولا حلوة إلا شرابهم فضلـــي
جريت مع العشاق في حلبة الهوى                   ففتهم سبقاً وجئت على رسلي "
وفي العصر الأندلسي ستختال ولادة بنت المستكفي بمشيتها وتعلن قولها:
" أنا والله أصلح للمعالي                             وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكن عاشقي من ورد خدي                        وأمنح قبلتي من يشتهيها "
وأما في العصر الحديث، وتحديداً قبل رحيل خمسينيات القرن العشرين ستبرز أمامنا الشاعرة الشامية الدمشقية الشابة طلعت الرفاعي والخارجة بنزعتها التحررية على المألوف المرحلي السائد يومذاك لتقول لنا، أو لأحدنا على الأصح:
"أنا ما عرفت الحب قبلك      هل عرفت الحب قبلي؟
هبني بظلك هجعة                فأريك كيف أمد ظلي
وأكون طفلتك التي ترعـــــــى       الهوى وتكون طفلي"
أما الشاعرة الشامية الدمشقية أيضاً هنادة الحصري فللأنثى عندها جوهرها، وفيها تقول:
" متى تنتهي الوشوشات لأنثى الحياة؟!
متى ينتهي الأسر للأغنيات؟!!
ترى من يرد ظلماتها كلما حشرجت بالغناء؟!
ترى هل سأبقى متاعاً؟!
ومنذ الولادة أمضي، أجرجر قيضي،
كأني تقمصت حمالة للحطب!!
فمن كان منا يكنى أباً للهب؟!
كأني ولدت "معلبة" في حصار الرؤى الجامدة!
(...)
يزنرني الأمر والنهي.. "وأضجر" أستاء، أحتج
أخمش وجه السماء, وأصرخ، يرتطم الصوت بالصمت
يحبط دمع الصدى في الأنين فأرجع مخزولة أتأبط خيبة سعيٍ،
كم عاد بخفي حنين!!
(...)
متى يرحل الوهم عنا/ ويهمنا الآخرون،
بأنا جداول نهر عظيم/ هو الكون ننهض في عرضه،
بالأنوثة والخلق، نبدع، نبني، ونشقى
ولسنا أفانين متعبة!...".
   أما الشاعرة الراحلة عزيزة هارون بنت الساحل الرحب، بنت اللاذقية فقد سجلت حضورها ومصيرها في عطائها الشعري، فهاهي منذ صباها الأول تجلس قبالة نبت برية وجدتها ذابلة، فخاطبتها خطاب المستغيث من الرمضاء بالنار. قالت لها:
"بنت الطبيعة ما دعاك إلى الذبول المسرع
إن كنت تبغين الندى فخذ الندى من أدمعي
قلبي إليك هدية والقلب أثمن ما معي
ولهت قلبي بالأسى ذكرتني في مصرعي".
ثم غادرتها إلى ما ليس يعلم من الزمن الآت.. حتى وصلت فيه إلى قولها بتساؤولات استنكارية:
" أأهرب منه نفسي الوارفة
لأغمر بالسحر والعاطفة؟. أنا خائفة
من العين دنيا حنان وحب رحيب
من النور يلمح بين ثنايا حبيب
من الوجد ناراً ودنيا ولوع
ومن حرقات الدموع
إذا التهبت في يدي الشموع
أنا خائفة..."
انتهت عزيزة تواقة للتحرر... غير أنّ القيد كان أقوى وأطغى.