الناقد أحياناً على صواب.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

الناقد أحياناً على صواب.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٤

ينصح الطبيب النفساني الفرنسي ترانس ساندبيك [ 1885-1939] بقوله إذا قوبل أحدنا بالنقد من قبل أيِّ كان عليه أن يردد بينه وبين نفسه: أنا على صواب. الناقد مخطئ.
ويفسر نصيحته هذه بأنّ النقد غالباً ما ينقلب إلى قيد يطوق الإنسان خصوصاً إذا كان صادراً عن إنسان هدفه فقط إغاظة الآخر، بمعنى أن يكون مسند نقده النقد للنقد كما الفن للفن وسوى ذلك.
وجهة النظر هذه تبدو منطقية إلى حد ما من حيث المبدأ، ولكنها قد تنقلب إلى حجة يلجأ البعض إليها تبريراً لنفي خطأ ارتكبه أو للتقليل من تبعاته وذلك بحجة أنّ الناقد لم يكن موضوعياً في نقده لاعتبارات شخصية. وفي هذا السياق، كثيراً ما قرأنا حتى على لسان البعض من كبار المسؤولين في العالم رداً على انتقادهم من قبل خصومهم بسبب تصرفات كانوا قد أقدموا عليها وبالنتيجة أساءت إليهم وإلى بلادهم: لماذا أنا كنت على خطأ وكان غيري على صواب؟
في إحدى المرات - على سبيل المثال - لجأ رئيس مصر الأسبق أنور السادات إلى تبرير الخطأ التاريخي الذي ارتكبه بإعلان عزمه على القيام بزيارة دولة الكيان الصهيوني بقوله: لماذا أنا كنت على خطأ وكان الذين انتقدوني على صواب؟ في هذا الإطار ثمة أيضاً أمثلة لا تحصى عن أخطاء ارتكبت من قبل آخرين ومع هذا كانوا يعتقدون أنّهم كانوا على صواب وأن من ينتقدونهم هم المخطئون. وحين أثبت التاريخ أنهم فعلاً قد ارتكبوا أخطاء أدت إلى تحميل أبناء جيلهم والأجيال اللاحقة أعباء ثقيلة أرهقتهم وسوف ترهقهم تالياً، برروا ذلك بالقول إنّ الظروف التي دفعتهم لاتخاذ قراراتهم في هذا الشأن أو ذاك، ليست كما هي ظروف اليوم، بل كانت تتوافق مع مصلحة الوطن والمواطن معاً في حينه. وبهذه الطريقة كان هؤلاء يحاولون تبرئة أنفسهم من تبعات قرارات اتخذوها وأصابت الوطن والمواطن معاً بأضرار بالغة.
إن النقد، حين يصدر عن صاحب رؤية موضوعية صادقة مبنية على المعرفة بحقائق الأمور لابد من أن يصب، بالفعل لا بالقول، في منحى المصلحة العامة لا الخاصة، بمعنى ألا يكون نقده نابعاً من منعطف الحقد أو الغيرة أو الرغبة في الإساءة إلى الآخر في حـال أقدم على عمل لا يعجب الناقد. ولهذا الاعتبار ليس دائماً مفيد العودة إلى نصيحة الطبيب النفساني ترانس ساندبيك إلا إذا أسست لسلوك يمكّن صاحبه من استيعاب تبعات النقد، وبالتالي تجعله قادراً على تقبّل أغراض الناقد عندما تكون حقاً صادرة عن نوايا بريئة.
iskandarlouka@yahoo.com