فوبيا الأوراق.. بقلم: د.اسكندر لوقا

فوبيا الأوراق.. بقلم: د.اسكندر لوقا

تحليل وآراء

الأحد، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٤

مؤخراً اكتشف أطباء فرنسيون معنيون بعلم النفس المرّضي، اكتشفوا مرضاً جديداً لم يكن معروفاً في بلادهم على النحو الذي عرف. ومفاد هذا المرض النفسي أنّ صاحبه يخشى لمس الأوراق، وخصوصاً تلك التي تدل على عدم تسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف والضرائب التي تترتب عليه ويتهرب من واجب تسديد ما عليه للمؤسسات المعنية في بلده.
ورد في هذا السياق اسم أحد الوزراء السابقين في الحكومة الفرنسية عندما تبيّن أنه متورط بعدم دفع ما ترتب عليه من التزامات مالية منذ فترة طويلة، وبالتالي صار متهماً بالفساد ما أدى إلى فضيحة مجلجلة حملته على الاستقالة من منصبه. وحين سئل عن سبب إساءته إلى وظيفته دافع عن نفسه بقوله إنه مريض بـ " فوبيا الأوراق"، وذلك على غرار الذي يصابون بهذا المرض عينه بسبب العلو في المكان وعدم استطاعتهم النظر إلى الأسفل أو بسبب الظلمة أو حتى بسبب الأصوات المرتفعة وركب السيارات المسرعة وما شابه ذلك.
هذا المريض الفرنسي بـ "فوبيا الأوراق"، لابد أنه كان يعاني من كثرة الأوراق التي تعرض عليه وفيها مطالب متنوعة من المواطنين الذين ينتظرون الحكم لهم أو عليهم بفارغ الصبر.
طبعاً كذلك هي دائماً الأوراق التي تعرض على المسؤول لدراستها والبت فيها، وهي في غالب الأحيان تسبب له مرضاً كهذا الذي أصاب المسؤول الفرنسي، وخصوصاً لكثرة دورانها من دائرة إلى دائرة ومن مسؤول إلى مسؤول ومن حاجب إلى حاجب، وصولاً إلى طاولة صاحب القرار النهائي. إنّ دوران الأوراق على هذه الشاكلة نسميه نحن في سورية، وربما في بلاد أخرى، نسميه بالروتين والبيروقراطية، اللذين يحملان المراجع لإحدى الدوائر أحياناً على لعن الساعة التي اضطرته لتحصيل حقه في حال كان صاحب حق بالفعل وليس لاعتبارات تتعلق بإزعاج هذا الموظف أو ذاك.
هذا المسؤول الفرنسي الذي لجأ إلى الادعاء بأنه مصاب بمرض "فوبيا الأوراق" لابد أن يكون له بدائل لا بديل واحد في فرنسا وغير فرنسا ممن يلجؤون إلى أساليب تمكنهم من التملص من واجب وفاء الدين للدولة التي تحميهم وتدافع عنهم ويسطون بذلك على موارد خزينة الدولة التي هي من نصيبها. إنّ مرض "فوبيا الأوراق " من هذه الناحية ليس دائماً مرضاً حقيقياً، ولكنه أحياناً غطاء على فساد يرتكبه المدعي المصاب به وعن سابق تصور وتصميم للتملص من وفاء واجبه. وفي هذا السياق نأمل بألا يكون بيننا، مثيل هذا الفرنسي الفاسد بكل ما تعنيه الكلمة وذلك حفاظاً على ما تبقى لدى البعض من الناس من شعور بالمواطنة والانتماء إلى بلده وتحديداً في زمن دوران حلقات التآمر عليه أرضاً وبشراً.
iskandarlouka@yahoo.com