دوما بين المصالحة والنار..

دوما بين المصالحة والنار..

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤

 بخطىً بطيئة، ولكنها ثابتة حد الرسوخ، كلامٌ يشابه الشعر في توصيف تقدم الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية.
فلم تعد المساحة الجغرافية الكبيرة المتنوعة بين بساتين ومعامل ومناطق سكنية في الغوطة الشرقية مسرحاً لعمليات الجماعات المسلّحة كما كان الحال قبل أشهر.

تطورات كبيرة حصلت وقلبت موازين القوى رأساً على عقب، فتحرير المليحة التي شكّل تحريرها بوابة العبور الى عاصمة الغوطة الشرقية دوما مرّ بمراحل معقدة ومعارك طاحنة، وضعت فيها الجماعات المسلّحة نخبة مقاتليها وأسلحتها لإدراك هذه الجماعات أن تحرير المليحة سيكون بمثابة خيط السبحة المنقطع.

ومنذ تحرير المليحة كان تقديرنا للموقف متماهياً مع ما يحصل هذه الأيام من حيث التوقعات والتقديرات التي تحاكي الواقع الميداني بشكلٍ دقيق.
وكرّت السبحة، وها هي قرى وبلدات الغوطة تتساقط واحدة تلو الأخرى بيد الجيش السوري، فعدرا العمالية وعدرا البلد كانتا معركة المباغتة بكل ما تعني الكلمة من معنى، والمؤكد في سياق معارك الغوطة الشرقية أنّ هدف الجيش السوري الأساسي والرئيسي هو دوما.

اليوم استطاعت وحدات الجيش السوري بسط سيطرتها على منطقة معامل تل كردي وحوش الفارة واستكملت تطويق ميدعا التي كانت مسرحاً في الأشهر الفائتة لإشتباكات دامية بين جيش الإسلام بقيادة زهران علوش وتنظيم داعش، وها هي اليوم تنتظر الدور كغيرها ممّا تبقى من بلدات وقرى الغوطة الشرقية.

إنّ تقدم وحدات الجيش السوري الى ميدعا يستهدف بالدرجة الأولى والمرحلة اللاحقة إكمال الطوق على النشابية والبلالية بهدف تضييق مساحة حركة الجماعات المسلّحة وإفقادها القدرة على المناورة تمهيداً لتحريرها

الجيش السوري الذي باتت وحداته على مشارف دوما عند بلدة تل كردي سيكون قادراً بعد بسط سيطرته على حوش الفارة ومنطقة معامل تل الكردي على التحرك بظهر محمي في إتجاهات مختلفة.

إنها عمليات تقطيع الأوصال وقطع خطوط الإمداد والتواصل الداخلية، بعد أن استطاع الجيش السوري إغلاق شرايين الإمداد الرئيسية وطرق التواصل من الغوطة الشرقية واليها عبر الضمير والبادية، وهذا ما حقّقته السيطرة على عدرا العمّالية وعدرا البلد.

دوما اليوم لم تعد على حالها السابق، فسلسلة الهزائم التي لحقت بالجماعات المسلحة في القلمون والغوطة الشرقية وأكثر من مكان في سورية تلقي بثقلها على أصحاب القرار فيها، فبعد أن كان زهران علوش الآمر الناهي لم يمانع أن يتوجه وفد من وجهاء ومثقفي المدينة لبحث تفاصيل المصالحة التي يبدو أنها لم تشفر عن نتائج إيجابية حتى اللحظة.

ومن هنا يأتي استكمال الجيش السوري لعملياته ليحقق ضغطاً إضافياً قد يساهم في تسهيل عملية المصالحة ويوفر على المدينة الدم والنار.

المصالحة في دوما ستكون بالتأكيد بمعايير وشروط المنتصر ولن تكون مشابهة لأي مصالحة أخرى تمّت حتى الآن إلا بما يخص التزام الدولة السورية بواجبتها تجاه مواطنيها من ناحية تأمين الأمن ومتطلبات الحياة، وهذا ما لا يبدو أنه سيسري على الجماعات المسلّحة هذه المرّة بحكم مجموعة من العوامل المستجدة وأهمها أنّ الجيش السوري بات يتحكم بالعوامل الميداني وهو من يقرّر النتائج وليس الجماعات المسلّحة.

في الأيام القادمة ستكون وتيرة العمليات أكثر سرعةً من ذي قبل لأنّ الجيش السوري يندفع في مناطق شبه مفتوحة هي كناية عن مزارع وبساتين صار الوجود المسلّح فيها على شاكلة بؤر موضعية وليس جبهات بالمعنى الذي كان عليه سابقاً.

وحتى انخراط دوما في المصالحة او عدمها، ستبقى لغة النار هي اللغة المحكية لانها اللغة التي تفهمها الجماعات المسلّحة جيداً ولا تسمع إلا من خلالها.