"الأمم تدفع أثماناً باهظة عندما يقودها الحمقى" .. بقلم: غسان يوسف

"الأمم تدفع أثماناً باهظة عندما يقودها الحمقى" .. بقلم: غسان يوسف

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤

يقول محمد حسنين هيكل: " إنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتصور نفسه الخليفة العثماني الجديد، ويريد أن يعود بالمنطقة إلى ما قبل اتفاقية "سايكس بيكو"
 كلام هيكل لم يخفه أردوغان نفسه، إذ صرح أمام طلبة جامعة مرمرة في اسطنبول بأنّ بلاده تنوي العودة إلى حدود وترتيبات الحرب العالمية الأولى– أي ما قبل تقسيمات سايكس– بيكو، وبالتالي إحياء حلم هيمنة الإمبراطورية العثمانية.
لعل ما يقوم به أردوغان اليوم من عزف على وتر العثمانية والطورانية يشبه إلى حد كبير ما قام به أدولف هتلر من عزف على وتر الرايخ الثالث والمطالبة بتعديل معاهدة فرساي فكانت النتيجة أن انقسمت برلين إلى نصفين.. وانشطرت ألمانيا لخمسين عاماً!
ولكن السؤال الأهم هل يرضى أردوغان بالعودة إلى معاهدة الصلح (سيفر 10 آب 1920) التي اقتسمت فيها الدول الأوروبية الإمبراطورية العثمانية وإعلانه جمهورية أرمينية مستقلة في القسم الشرقي، كما قضت بإنشاء دولة كردية مستقلة جنوب الجمهورية الأرمينية تضم جميع المناطق الواقعة شرق نهر الفرات في حين تعطي كليكيا والجنوب كله لفرنسا أما إيطاليا أعطيت جميع المناطق الواقعة إلى جنوب غرب الأناضول، بينما حظيت اليونان بمدينة أزمير وغرب الأناضول كله إضافة إلى تراقيا الشرقية بما في ذلك أدرنة وغاليبولي حتى ماريتزا وجزر الدوديكانيز، أما العاصمة اسطنبول وشواطئ بحر مرمرة فقد أعلنت مناطق مجردة من السلاح، بينما أخضع مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل لرقابة لجنة دولية تقرر مصير عبورهما في حالتي السلم والحرب.
وهكذا لم يبق لتركيا سوى رقعة صغيرة من الأرض تبلغ مساحتها مئة وعشرين ألف كيلو متر وتتألف معظمها من أراض قاحلة غير قابلة للزراعة! إلى أن استطاع كمال أتاتورك التوصل إلى معاهدة لوزان التي رسمت الخريطة الحالية لتركيا ما عدا لواء الاسكندرون وعندما سأل مندوبو الحلفاء عصمت اينونو عن مطالب تركيا في البلدان العربية قال له أتاتورك:
"أبلغ مندوبي الحلفاء أن ليس لتركيا أي مطامع في مخلفات الإمبراطورية العثمانية وأن كل ما نطلبه بالنسبة إلى الدول العربية هو أن تصبح دولاً مستقلة وأن تجلو جميع القوات الأجنبية عنها"!
مطالبة أردوغان بالعودة إلى ما قبل اتفاقيات سايكس بيكو يعيد إلى أذهان العرب أيضاً ما فعلته تركيا بالعرب عندما طالبوا بحريتهم واستقلالهم وإقامة دولتهم، ومن حقهم اليوم أن يطالبوا تركيا بالتعويض والاعتذار، لما لحق بهم من ظلم وقهر واستعباد ونشر للتخلف والفساد ونصب للخوازيق والمشانق!
نعم أردوغان، من فمك أدينك، إذا كنت تقصد العودة إلى الدولة العثمانية فما كانت الدولة العثمانية تلك، إلا دولة عدوة للعرب بكافة مكوناتهم احتلت أرضهم وقتلت رجالهم واغتصبت نساءهم, وحكامها في همجيتهم ووحشيتهم يشبهون إلى حد كبير حكام الصهيونية والنازية لأنكم شعب بلا تاريخ أو حضارة، حتى تركيا نفسها ما هي إلا مستوطنة أقيمت على أراضي كل من كليكيا وأرمينيا واسكندرون! لتُهجر الشعوب الكردية والأرمنية والعربية ويؤتى بشعوب سلجوقية طورانية من أقاصي الشرق لتسكن على جماجم الآخرين كما فعل الصهاينة سابقاً، ويفعل الدواعشة حالياً! أليست العصابات الداعشية مدعومة منكم؟!
يقول كل من يراقب تورط أردوغان وحزبه في الشأن السوري إنّ أكثر السياسيين حماقة لا يمكن أن يتجاهل أنّ المنطقة التي اختارها الأتراك للتوغل وبدء مشروعهم هي من أكثر المناطق خطورة وحساسية على تركيا نفسها.. فهناك مثلث تركي- كردي- عربي لا شبيه له إلا مثلث برمودا يبتلع من يمر به!
مشكلة السياسيين الأغبياء أمثال أردوغان أنّ الجغرافيا تعاندهم والديموغرافيا تعاندهم أيضاً، هم يعيشون في الماضي وخارج الزمن الحاضر فيكون السقوط حليفهم!