دفاتر شاميّة عتيقة -4-المرجــــــة.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

دفاتر شاميّة عتيقة -4-المرجــــــة.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٤

زيّنوا المرجة والمرجة لنا
هذه أهزوجة شعبية قديمة استخدمها المقاومون للاحتلال الفرنسي وبقيت ماثلة ومتوارثة جيلاً عن جيل حتى غدت من أهازيج الأفراح ولكن ما هي هذه المرجة؟ والجواب المرجة ما كان يعرف حتى النصف الأول من القرن العشرين بمرجة الحشيش. أما قبل ذلك فبالمرج الأخضر، وفي عهد نور الدين الشهيد بميدان ابن اتابك. وموقعها اليوم يمتد من التكية السليمانية إلى المتحف الوطني والمعرض حتى ساحة الأمويين. وفي حوزة الباحث أحمد ايبش مجموعة صور فوتوغرافية قديمة لهذه المرجة قبل إعمارها. ومن محاسن الشام لدى المؤلفين التراثيين مرجتها. أحد هؤلاء المؤلفين يقول: قرأت كتاب وقف تربة السلطان الملك الظاهر "برقوق"، سقى الله عهده، الكائنة في الصحراء خارج (باب النصر) من القاهرة (المحروسة)، وهو متصل الثبوت إلى آخر وقت تسجيله على بعض القضاة الشافعية؛ من جملته طاحونة الشقراء بمرجة دمشق المحروسة ظاهر قصر الملك الظاهر أبي الفتوحات "بيبرس" سقى الله عهده، بالقرب من زاوية (الأعجام)، ويليها قصبة سوق عدة حوانيتها أحد وعشرون حانوتاً وعلوها الطباق المطلة على المرجة المذكورة  وبآخرها المسجد المطلّ على نهر بردى.
    نحن أدركنا هذه الطاحون دائرة ولكن الأستاذ ايبش لم يدركها دائرة. هذه الطاحون هدمها وكيل المقام الشريف برهان الدين النابلسي المعروف بابن ثابت في أوائل دولة السلطان الملك الأشرف "قايتباي" خلد الله تعالى ملكه. هذا القول للبدري الذي يتضح من قوله أن تأليف كتابه هذا كان في أيام سلطنة الأشرف قايتباي. فعلى هذا كانت المرجة عامرة آهلة وهي من المحاسن التي لا تدرك، وبعضهم يشبهها بصدر الباز، كأنه شبهها به لأنّ الوادي ينضم من رأسها ويعلوه جبلان وشبه هذين الشرفين بالأجنحة. ومن الذين قالوا في هذا المكان شعراً ونقل البدري وغيره شيئاً من هذا الشعر ومنه هذا القول لابن حجة الذي يقول في المرجة:
ذكرت أحبتي بالمرج يوما
فقوت أدمعي نيران وهجي
وصرت أكابد الأحزان وحدي
وكل الناس في هرج ومرج
ومن بديع القاضي محي الدين بن عبد الظاهر قوله فيها:
ومرجة في وادٍ يروقك روضها
ولاسيما إن جاد غيث مبكر
بها فاض نهر من لجينٍ كأنه
صفائح أضحت بالنجوم تُسمر
تلاحظها عين تفيض بأدمع
يرقرقها منه هنالك محجر
وكم غازلته للغزال مقلة
تسارق أوراق الغصون فتنظر
إذا فاخرته الريح ولت عليلة
بأذيال كثبان الربا تتعثر
به الفضل يبدو والربيع وكم غدا
به الروض يحيى وهو لاشك جعفر
واضح حضور كل من البرمكيين يحيى وجعفر في هذا الشعر ولكن كيف نفهم موقف البدري من المكانين الشاميين الدمشقيين اللذين يحملان اسم الخلخال والمنيبع. سؤال جوابه تابع لهذا.
(يتبع...)