ذلك الشيء الذي يدعى العرب.. بقلم: نبيه البرجي

ذلك الشيء الذي يدعى العرب.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ أكتوبر ٢٠١٤

منذ قرن، كانت هناك دولتان( بريطانيا وفرنسا)، وكان هناك رجلان (مارك سايكس وجورج بيكو)، وكان السلطان العثماني يبدو وهو يخرج عاريا من التاريخ، ومن الجغرافيا، كما لو انه يخرج من الحرملك...
لم يكن هناك ذلك الشيء الذي يدعى العرب. مشانق جمال باشا لا تزال عالقة ومعلقة في ساحة البرج في بيروت كما في ساحة المرجة في دمشق. آنذاك كانت المشانق اكثر تأثيرا في علاقة المدينتين من كل الايديولوجيات ومن كل النظريات ومن كل الفذلكات...
الذي ثبت انه لم يكن هناك ذلك الشيء الذي يدعى العرب. ثمة بدوي ويدعى الشريف حسين، بدوي مثلنا، وظل الانكليز يضحكون عليه وعلى عائلته حتى غادر خاوي الوفاض، قبل ان يستسلم الانكليز ويسلمونا الى الاميركيين الذين لا يرون فينا سوى ذلك الطراز الاكثر هشاشة من الهنود الحمر.
الان ايضا، لا شيء يدعى العرب. هياكل عظمية او بالاحرى اشباح (بالدرجة الاولى اشباح خشبية) ومرصعة بالذهب. لا تبحثوا في اي بلاط عربي عن بيدبا بل ابحثوا عن شهريار. كل تاريخنا يمشي حيث تمشي قدما شهرزاد. ليقل اي وزير خارجية من وزراء العرب، وليقل نبيل العربي، بتلك الببغائية الغبية، اين هم العرب الان، واي مرتبة يشغلونها في العصر. سئمنا من التساؤل ما اذا كنا مهرجان الدمى ام مهرجان الخناجر..
واذا كان هناك ذلك الشيء الذي يدعى العرب، فهل تراهم يعون ماذا يفعلون بسوريا، وماذا يفعلون بالعراق، وماذا يفعلون بلبنان. الدول الثلاث التي وضع دافيد بن غوريون السيناريوات الخاصة بتفكيكها إما بوحي من يوشع بن نون او بوحي من زئيف جابوتنسكي، ناهيك عن ذلك الداعية الصهيوني لويس ارينس الذي استدرج الرئيس الاميركي وودرو ويلسون للدخول في الحرب العالمية الاولى لكي يصل الجيش الانكليزي الى فلسطين ويشق الطريق امام لويد جورج وآرثر بلفور لاطلاق الوعد الشهير...
الآن ليس هناك سوى اميركا التي صلاحياتها على الارض تتجاوز صلاحيات الله ( أليست هي التي تحيي والتي تميت؟). والمثير ان يقول آرون ميلر «ان مشكلاتنا مع حلفائنا اشد تعقيدا من مشكلاتنا مع اعدائنا». كاد يقول «لسنا خدماً لديكم ايها السادة بل انتم الخدم لدينا». بشكل او بآخر يقال هذا الكلام للاتراك الذين استعادوا كل عقدهم الامبراطورية، ويقال للعرب الذين لم يبارحوا قط كل عقدهم القبلية...
ثمة ثلاث دول هي وجه المنطقة، وعمودها الفقري (والفكري)، تتحطم وتتناثر. لن نتوقف عند اولئك الساسة اللبنانيين الذين اعمت بصائرهم حقائب المال، وهي الوجه الآخر لحقائب الدم، والذين يتعاملون مع تنظيم الدولة الاسلامية على انه ظاهرة آنية، كما لو ان ايف سان لوران هو من صمم عباءة ابي بكر البغدادي وليس ذلك التاريخ الذي قيض له وحده ان يستضيف الشيطان. الشيطان اكثر بكثير من ان يكون ضيف شرف على ذلك التاريخ. لفتنا كثيرا قول غانتر غراس «اولئك الخارجون للتو من الكوميديا الالهية»!
من حوّل عرسال، ومنذ الايام الاولى للازمة السورية الى تورا بورا؟ حتى قوى 8 اذار تواطأت على الاقل بالصمت، حين كانت البلدة تستباح ويستباح الكثير من اهلها الذين كانوا يعلمون ان ثمة من يجرهم الى المجهول. الآن، المجهول بات معلوماً، وبالرغم من ذلك لا تزال الاصابع والعيون تتجه الى مكان آخر، فأين هو اسقف نجران قس بن ساعدة ليقول للبنانيين ايها السادة اسمعوا وعوا...
الوضع في الجرود اكبر بكثير واخطر بكثير مما نتصور. لن تغمض عين لابي بكر البغدادي ولابي بكر الجولاني الذي لا تزال القبائل العربية تغدق عليه المال والسلاح، قبل ان يصل الى بيروت ويضع قدميه في مياه المتوسط...
من يصدق ان مولانا الخليفة يريد الوصول الى الزبداني، بسلال التفاح التي تحولت الى سلال النار، لكي يراقص الجمر في بيوتها بدل ان يراقص الثلج في الجرود. خطته اختراق حدود البقاع الشرقية والوصول الى قاعدة رياق الجوية، وحينذاك يزحف بين الزغاريد (اجل بين الزغاريد) ولافتات الترحيب ونثر الارز والورود، الى وسط بيروت التي سمع بها كثيرا، فأي خليفة ذاك الذي لا تهزه المدينة التي لطالما كانت اللؤلؤة فإذا بالطبقة السياسية على انواعها تحولها الى مدينة الاحتمالات المجنونة والسياسات المجنونة...
يا اهالي القسطنطينية، تابعوا حديثكم. لن نقول اكثر. لكننا دولة من دون اسوار. لا حاجة للسلطان كي يحاصرنا حتى بقهقهاته، او بقهقهات حصانه. يكفي ان نتأمل في وجوه الساسة وهم يتلوون على الشاشات (مرة اخرى تحية الى تحية كاريوكا) لكي نكتشف في اي قسطنطينية نحن وماذا ينتظرنا على ايدي اولئك الذين لم يهبطوا من المريخ، بل هبطوا من ثيابنا، ومن لاوعينا الذي لكأنه...لاوعي الماعز.
قبل قرن من الزمان كان ثمة حلم، وكان ثمة مشانق، وكان ثمة من يرثي لحالنا او يفكر بأحوالنا. الآن، اذا بقينا هكذا، وسنبقى، لن تتساقط اسوار منازلنا فحسب. هياكلنا العظمية ايضا. ها ان اخواننا البيزنطيين يتجادلون في التمديد للاشباح، وفي التفاوض مع الاشباح، وفي الهروب امام الاشباح. اليأس وحده ليس غبيا..
انتظروا، قريبا دول اخرى تتحطم و...تتناثر!!