داعش بين كذب الغرب وكذب أردوغان؟!!

داعش بين كذب الغرب وكذب أردوغان؟!!

تحليل وآراء

الخميس، ٩ أكتوبر ٢٠١٤

 ما زالت "كذبة داعش" التي صنعها الغرب ورعاها تمهيدًا لمشاريع سياسية آنية ومستقبلية، بهدف إعادة رسم جغرافية المنطقة جيوبولوتيكيًا وإستراتيجيبًا تسير على قدمين، تصول وتجول في مناخنا السياسي والإجتماعي، تتفاعل على مسارات عدة في سوريا والعراق، وقد تكون مرشحة للإنتقال الى دول أخرى بصيغ ملتبسة معلنةً بالذبح جئناكم، تحمل الكثير من الدهاء السياسي والمكائد المرسومة، في طليعتها تقسيم دول، وإسقاط أنظمة، واستعادة نفوذ، وطرد نفود، محاصرة دول، وإسقاط محاور، ضم أراضٍ، وفصل أخرى، وكأننا في عملية ضم وفرز عقاري سياسي عام للمنطقة بأكملها.
استخدم الغرب نظرية غوبلز وزير إعلام هتلر التي تقول "إكذب إكذب إكذب فلا بد أن يعلق شيئًا في ذهن المتلقي"، رغم "صحوة ضمير" جو بايدن الذي كشف المستور وأعلن أسماء الدول الداعمة للإرهاب تركيا ودول الخليج لا سيما السعودية وقطر والإمارات رغم الإعتذار الذي أكد المؤكد، فهو اعتذار عن اللغة غير الدبلوماسية لا عن المضمون.
ليست داعش وليدة اللحظة، صحيح هي الآن في ذروة إستخدامها السياسي، لكنها نمت وتربت وترعرت في أوكار الإستخبارات الأميركية كما وصفها الناشط السياسي الأميركي مارك بروزنسكي من أنّ ضباطًا في السي . آي . ايه. هم من دربوا قيادات كبرى في داعش.
أعطيت التعليمات لداعش وحددت ساعة الصفر لعبور المركبات من الرقة الى تركيا نحو الموصل التي سقطت من غير مقاومة، الولايات المتحدة وتركيا والسعودية يريدون إسقاط المالكي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنضمام لمحور المقاومة، وقطع الطريق بين طهران ودمشق، الأميركي يريد من داعش أكثر من وظائف عصا موسى، طرد النفوذ الروسي، استعادة السيطرة على المنطقة، إسقاط المالكي واحتواء النظام العراقي لتقسيمه لاحقًا، قطع طريق طهران ومحاصرتها، إسقاط بشار الأسد، تدعيم وضع الحلفاء في المنطقة، تفتيت المفتت وتجزئة المجزّأ لحساب "إسرائيل".
السعودية وتركيا وقطر تتقاطع مع الولايات المتحدة في غالبية الأهداف التي ذكرت مع إضافة هدف تركي هو تدمير الأكراد والقضاء على فرصة إقامة دولتهم.
خرجت داعش جزئيًا عن الخطة المرسومة بالقيام بمهاجمة كركوك، فأعلنت عن استراتيجيتها الخاصة بإقامة دولة الخلافة، ودعت عموم المسلمين لمبايعة ابو بكر البغدادي والمجيء الى الدولة الإسلامية، فأسقط في يد السعودية وأزعج أميركا وحلفاءها الأكراد.
لم يتمكن التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة من تقليم أظافر داعش رغم الضربات الإستعراضية التي قام بها في سوريا والعراق وأسفرت عن تدمير البنى التحتية خاصةً في سوريا، ما يلقي ظلالًا كثيفة من الشكوك على الأهداف المعلنة للضربات العسكرية، فداعش ما زالت بكامل قواها لا سيما مراكز التحكم والسيطرة التي تدير العمليات في كل من سوريا والعراق.
لكن داعش تحولت من أداة في مشروع الى مشروع خاص بها، هي الآن توغل في مشروعها الخاص بالتنسيق والتكامل مع كل من تركيا وقطر ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺨﻼﻑ مع ﺍﻻﻣﻴﺮﻛﻲ بسبب خروجها عن السيناريو المرسوم، ﺳﻌﺖ ﻭﺍﺷﻨﻄﻦ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ ﻋﺒﺮ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺩﻭﻟﻲ لإﻟﻐﺎﺀ ﺩﻭﺭ ﺩﺍﻋﺶ ﻭﺍﻟﻨﺼﺮﺓ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻗﻮﻯ أكثر استجابةً ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻭﺍﺷﻨﻄن، فرﺩﺕ ﺩﺍﻋﺶ بالمزيد من التنسيق والتماهي مع التركي والقطري بدايةً في ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺩﻳﺮ ﺍﻟﺰﻭﺭ ﻭﺍﻟﺤﺴﻜﺔ ﻭﺍﻟﺒﻮﻛﻤﺎﻝ، وحولت ﺍﻟنفط ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺑﻨﺴﺒﺔ %90 الى تركيا بعد أن ﻗﺎﻡ ﺧﺒﺮﺍﺀ أﺗﺮﺍﻙ ﺑﺘﺸﻐﻴﻞ ﻣﺼﺎﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ وتقاسم العائدات مع ﺪﺍﻋﺶ، ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻛﺸﻔﻪ ﺟﻮﻥ ﻛﻴﺮﻱ عن سبب ﻏﻀﺐ ﻭﺍﺷﻨﻄﻦ واضطراره لكشف الدور التركي في تمويل الإرهاب ومن ثم الإعتذار عن اللغة غير الدبلوماسية والتأكيد على المضمون.
رفض التركي بدايةً دخول التحالف الدولي دون قبض الثمن، وترك داعش تذبح الأكراد في شمالي سوريا وصولًا الى عين العرب "كوباني" بما ترمز له من تاريخ ودور وموقع بالنسبة للأكراد.
الأكراد ﻳﺬﺑﺤﻮﻥ الآن في كوباني لأنّ ثمة ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﺘﺮﻛﻴﺎ ﺑﺴﻴﻄﺮﺓ ﺩﺍﻋﺶ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﺑﻨﻘﻞ ﺍﻟنفط ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ عبر ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ أﺩﻯ ﺍﻟﻰ ﺍﻧﺘﻌﺎﺵ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩها.
رد الأميركي بتدمير ﻤﺼﺎﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ التي هي بحوزة داعش كرﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻰ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﺑأﻥّ ﻭﺭﻗﺔ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻫﻲ ﻟﻮﺍﺷﻨﻄﻦ ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﻴﺘﺤﻜﻢ ﺑﻘﺮﺍﺭ ﺗﺼﺪﻳﺮ ﺍﻟﻐﺎﺯ والنفط ﺍﻟﻰ ﺍﻭﺭﻭﺑﺎ وسواها ﻭﻟﻴﺲ ﺗﺮﻛﻴﺎ.
لا تبدو داعش انها خرجت عن السيطرة الأميركية تيمنًا بما حصل مع القاعدة التي فجرت برجي مركز التجارة العالمي بتمويل من القطري خالد محمد تركي السبيعي بحسب صحيفة الديلي تلغراف اللندنية، لكن داعش تحاول الآن أن تنجز مشروعها الخاص بدعم ومساندة كل من تركيا وقطر.
بالمقابل تحاول تركيا أقصى استثمار لداعش من خلال طرد وتدمير الكرد في الشمال والقضاء على حلمهم بإقامة سلطة ذاتية تمثل نموذجًا لأكراد تركيا، ولتكبير الثمن الذي تود أن تتقاضاه للتدخل لمنع سقوط كوباني وهو الثمن الذي أعلن عنه اردوغان بإسقاط الرئيس الأسد وتغيير النظام في سوريا.
لقد دخلت تركيا نفقًا مظلمًا من خلال قضية كوباني، فهي لن تستطيع الحصول على المكتسبات التي تطلبها لا سيما سقوط الأسد، وهي أيضًا لن تستطيع تنفيذ المنطقة العازلة والحظر الجوي في الشمال السوري ليكون لها اليد الطولى في الحلول، وهي لن تستطيع الإستمرار في دعم داعش بعد أن انكشفت أوراقها بدعمها وتجهزها والتنسيق الكامل معها، وفي نفس الوقت لن تستطيع ضرب داعش تماشيًا مع القرار الدولي والتحالف الدولي بسبب عمق ارتباطاتها بداعش من جهة، وخشية أن تنقلب عليها داعش وهي التي تملك الخلايا النائمة الموزعة في كافة أرجاء تركيا، ويمكنها الإضرار بالأمن التركي من جهةٍ أخرى، سيما أنّ أكثر من الف وخمسمائة مقاتل من الجنسية التركية ينتمون لداعش، وهي أيضًا في مشكلة عميقة مع الأكراد والمجتمع الدولي ولا سيما اوروبا والولايات المتحدة اذا ما تركت داعش تحتل عين العرب كوباني.
تركيا تلعب على حافة الهاوية، الغرب يضغط لأجل منع سقوط كوباني، والولايات المتحدة تضغط من خلال عمليات التسريب التي ذكرها جو بايدن، وسوريا وايران وروسيا تحذّر من دخول أي جندي تركي الى الأراضي السورية، وداعش تكمل مجازرها البشعة سواء في عين العرب أو في مناطق أخرى من سوريا والعراق، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يبلغ تركيا بعدم الموافقة على دخول أي قوات برية الى العراق، ورجب طيب اردوغان يتعرض لضغوطات خارجية وداخلية بلغت حد المطالبة بمحاكمته، والأكراد في حالة غليان هائلة داخل تركيا وخارجها، يبدو اردوغان الآن كمن بلع الموس، فإن بلعه سيجرحه، وإن بصقه سيجرحه أيضًا، وقديمًا قيل على سبيل الدعابة أنّ دخول الحمام ليس كخروجه.