أحلاف وخنادق.. بيادق وبنادق

أحلاف وخنادق.. بيادق وبنادق

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

 وأخيرًا في سورية إرهاب يجب محاربته، فتشكل حلف أساسه واشنطن بمال العملاء وبدأت العمليات بالفعل، استنادًا لقرارات مجلس الأمن وكل ما حدث طالبت به دمشق منذ أكثر من ثلاث سنوات. في المبدأ كل ما حدث جيد ولكن.. هل واشنطن صادقة بما تدّعي محاربته؟
هنا السؤال الكبير والخطير!

في المشهد لم تكن داعش قد خلقت وكانت النصرة وأخواتها ثوارًا ومن ثم إرهابًا، وبعد الفضيحة كان لا بدّ من خلق داعش، وما هي إلا شماعة ربما لحفظ ماء الوجه على وقع الفشل وإعادة التموضع، من باب محاربة وحش يفتك بكل شيء بلا رحمة مع التكبير.
في الحقيقة هم يعلمون أنّ ما يحدث على الأرض السورية ليس إلا إرهابًا بلبوس الثوار، اعتقادًا منهم أنّ سورية ستضعف وتسلم لينقلب السحر على الساحر بصمودها وعزم جيشها على حماية البلد. البلد هو الهدف ويجب على هذا البلد أن يبدل من عقيدته ولو بالحد الأدنى، فخلقوا داعش للمساومة والابتزاز ولن يمروا.

بالعودة لما سبق، من اللافت حقًا مشاركة كل من الأردن والسعودية والامارات مع الأميركي، بما سموه محاربة داعش وتخليص البشرية من شرّ مستطير. واهم من يعتقد أنّ هذه الدول صادقة، وملتبس من يظن أنّ الكيد يمكن أن يضمحل خوفًا من إرهابٍ أو سواه، وما المسألة إلا محاولة بائسة لتبييض صفحة ملطخة بدم السوريين تحت عنوان عريض سرعان ما سيسقط.
تحددت الأهداف وبدأ القصف ليقع الصديق قبل العدو في حيرة من أمره، وما الذي حدث وكيف تقبل سورية وأين الحلف وماذا عن روسيا وماذا عن ايران؟
تتركز ضربات الحلف على مقرات داعش والنصرة، وما الضربات إلا كالأستاذ الذي يؤدب تلميذه عندما يتعدى حدود الأدب، واستمرار الضربات لتحجيم داعش ومنع الجيش السوري من إعادة الانتشار والتموضع في أماكن داعش، وهذا ما لم يسمح به الجيش فكلما قصف الحلف تقدم وعلى إثر الانهيار في الجسد الارهابي حقق انتصارات مهمة خاصة في ريف دمشق.
القيادة السورية تعرف أنّ الأميركي يكذب بمحاربة داعش ومن لف لفه يكذبون بحرصهم على الانسانية وحمايتها من الشر، الذي في الحقيقة ولد من رحم فكرهم العفن.

على المقلب الآخر مواقف حازمة حاسمة أطلقها الروسي على لسان وزير خارجيته سبقه الايراني من الرئيس روحاني لأصغر المسؤولين فحسمها السيد نصرالله، لا أخلاقية لأميركا تخوّلها القيام بما تقوم به والتدخل مرفوض وكما أسقطناه سابقًا سيسقط لاحقًا، ونحن من نحارب الارهاب ونبذل الدماء ونحن الحريصون على شعوبنا وأوطاننا وليس هؤلاء.

دمشق كما العادة تجيد الصمت حينًا والغموض حينًا آخر، ليضرب الجميع أخماسًا بأسداس، وهو السر السوري للصمود والثبات لنخلص أن سياسة دمشق فلنلحق أوباما لما وراء الباب ونرى، مع الجزم في أن الضربات غير شرعية ولا مشروعية لحلف خارج نطاق مجلس الأمن ولا مصداقية إلا بمشاركة وتنسيق كاملين معها.

نعود للحلف والأردن ومنذ يومين في حالة طوارئ واستنفار أمني غير مسبوق، وتخيلوا بين كل حاجز أمني هناك حاجز أمني، وعناصر الشرطة منتشرون بشكل غير طبيعي بكثافة وتوقعات بحدوث هزات أمنية كبيرة بسبب توريط الأردن بالحرب على داعش، بمعنى أن الدواعش في حالة استنفار أيضًا وهم كثر في المملكة.. و"فهمكون كفاية"!
في سياق الحيرة للوهلة الأولى يبدو أنّ تناقضًا ما بخطاب كل من طهران وموسكو والرئيس الأسد والسيد نصرالله، ويبدو أيضًا الإرباك والارتباك الأميركي جليًا مقابله ارتياح سوري واضح.
هو السر لمن يفهم، فسياسة الحلف الحق واحد يتعمد الصمت، وآخر يرحب بتحفظ وذاك يرفض وأخير يضرب بيده على الطاولة، ويتفق الجميع على وجوب التقيد بالإطار تحت مظلة القانون والشرعية والسيادة.
أما مراهقو السياسة والأوطان فكيف لهم أن يفهموا وكيف لهم أن يتعلموا؟ علمًا أنّ "الحمير" قد تعلمت!
تركيا.. أردوغان يطالب بمناطق عازلة ومن قبله تحاول "إسرائيل" إقامتها عبر أدواتها الارهابية وهنا لن نطيل الحديث، فالمعادلة: مناطق عازلة = صواريخ على تل أبيب وما بعد بعد تل أبيب، والجولان والجليل للمقاومة وهذا ما يعرفه الأميركي وقد أبلغ به وفقًا لمعلومات شبه رسمية.
إذًا مناطق عازلة فالصو، وحلم لن يتحقق عدا عن رفض كل من موسكو طهران المطلق.
في اليمن حدثٌ جلل، فقد هزمت السعودية وانتصرت ايران بشعب اليمن المظلوم، الذي يريد العيش بكرامة قولًا واحدًا، وانتصار ايران لا يعني بسط نفوذها كما كان حال السعوديين، بل معنى الانتصار استثمار ما حدث لتحسين الظروف والشروط وقد تم ذلك فعلًا، وما سمعناه عن ثورة ضد الظلم في بلاد الحجاز ربما يكون مقدمة لموقعة صنعاء في الرياض هذه المرة، وربما تسبقهم البحرين.
بالعودة لأميركا يعتبر أوباما ممثل لأقوى اللاعبين سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا، حتى وإن أظهر العكس أو ظهر لمرمى في نفس يعقوب يتضح تباعًا، رغم نيله جائزة نوبل وقد أمر بعمليات عسكرية على دول سبع ولم يرف له جفن، وهذا ما يؤكد كذبة تمايزه عن سلفه، فالملة واحدة والمصلحة الداخلية تظل الأهم عبر "اسرائيل" مفتاح ديمومة الوهم الأميركي.
نخلص على ضوء ما سبق أنّ الأميركي له هدف واحد ووحيد ألا وهو مصالحه وفقط، وما كل الفانتازيا الأوبامية إلا لتثبيت الثابت والمسلم به واستمراريته لأبعد مدى ولو على حساب الدم.
ولكن هل تنجح أميركا؟
بالتأكيد وحسب المعطيات الداخلية والخارجية نحن ذاهبون للمزيد من الفوضى والفشل وربما الكامل خارجيًا، وعلينا أن لا ننسى قرب الانسحاب من أفغانستان وما يترتب عليه من تحولات في المواقف والسياسة والاستراتيجيا.
إنّ أهم ما يدور في خلد الأميركي نلخصه بالاقتباس التالي لأحد أهم وأكبر مراكز الدراسات هناك:
اعتبر معهد كارنيغي أنّ أحد الشروط لمواجهة داعش يكمن في "تحقيق هدنة بين الرئيس الأسد وبعض قوى المعارضة السورية، مما يصب في صلب توجه الادارة لتقويض وتدمير الدولة الاسلامية،" مع الاقرار بأنّ "الهدنة أفضل من لا شيء، وأقل من التوصل الى استراتيجية،" واعتبر أنّ أحد أوجه القصور في سياسة الرئيس أوباما أنه "يرحّل الأمر الى مرحلة لاحقة، مما قد يحد بشدة من تداعيات الحملة ضد الدولة الاسلامية والسماح لقواتها بإعادة تنظيم صفوفها والانطلاق مجددًا".
وعاود معهد الدراسات الحربية العزف على المسألة الطائفية معتبرًا أنّ "محور التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في العراق وسورية هي توفير الإمكانيات للطائفة السنية العربية، امتدادًا من بغداد ودمشق الى تركيا والأردن، لإلحاق الهزيمة بتوابع ومشتقات تنظيم القاعدة، التي تنشط في المناطق ذات الاغلبية السنية،" وشدد المعهد على ضرورة بذل الجهود "لإشراكها في جهود التوصل لحلول أمنية فضلًا عن ضرورته لحرمان القاعدة من البيئة الحاضنة لعودتها، سيما وأن السوريين منهم قد بدأوا يفقدون الثقة فيما ستؤدي اليه مرحلة ما بعد انتهاء الحرب". انتهى الاقتباس.
إذًا المطلوب إعادة تعويم الفاشلين للضغط والابتزاز تحت عناوين أهمها الطائفية والارهاب مع اليقين أنّ ذلك لن يتحقق، طالما الحنكة والحكمة وحسن التقدير وزمام المبادرة بيد الأسد والسيد، بتأييد كامل ومطلق من ايران العصب الداعم الساند بقوة لكليهما والعراق.
نعود لسورية وها هو المعلم ومن على منبر العالم يؤكد أنّ بوصلة دمشق فلسطين، ولأنّ البوصلة فلسطين كانت الحرب الظالمة على سورية، وأنّ دمشق مع كل جهد لمحاربة الارهاب ولكن وفقًا للمواثيق الدولية والتشاركية الأممية تكاتفا وانطلاقا من التنسيق المباشر مع الحكومة السورية، وأنّ دون ذلك هو بمثابة العدوان المباشر وأن لا نصر على الارهاب عسكريًا طالما الدعم والتمويل قائم من دول بعينها هي اليوم في حلف عوّل عليه الأميركي، لتنفيذ مآربه أولًا ولحمايته من المساءلة ثانيًا وابتزازه ثالثًا بالمال والارتهان لهواه. وعليه:
- حلف أوباما مسرحية هزلية تافهة سرعان ما يتوقف العرض، لأنّ الجمهور قد غادر مستاءً باشمئزازٍ عال، وما سيسرع ذلك حلف جديد انطلقت أولى خطوات تشكيله بالصورة المشتركة لبوتين روحاني في قمة قازويين.
- خندق سورية ذو أساس متين لا يلين، وعندما يصير الجيش مقاومة ويقاتل مع مقاومة أصلًا، يدرك الأميركي مدى ورطته إن فكر في استهدافه، وهذا الخندق كل ما هو معلن وغير معلن تحت تصرفه من سلاح روسي ايراني، معزّز بالدعم اللوجستي الكامل والشامل.
- بيادق الأميركي كالتركي والاسرائيلي فاشلون، والحلم بمناطق عازلة هو الفانتازيا بعينها وهم يعلمون ما الذي سيحدث إن ضرب الأسد والسيد بيديهما على الطاولة ليصير عنوان جديد: الجولان  الجليل ما بعد بعد بعد تل أبيب.
- بنادق دمشق وحلفاؤها والأصدقاء كلٌّ في موقعه، تجيد التصويب ومتى قررت حررت دون أن تلقي بالحلف أو سواه، فشتان بين البنادق والخنادق والأحلاف والبيادق.
لهم حلفهم والبيادق ولنا الخنادق والبنادق.. وللخائفين اسألوا "إسرائيل" عن معناها وأوباما الذي أبلغ بالرد إن تخطى الحد.