لقاء ظريف – فيصل، خطوةٌ أولى للمملكة نحو العقلانية

لقاء ظريف – فيصل، خطوةٌ أولى للمملكة نحو العقلانية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

 لم يكن مفاجئاً لقاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل على هامش الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً في نيويورك.
لقاء "الضرورة" الذي جمع ظريف والفيصل وقبله ظريف وكيري، إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على اقتناع الغرب وحلفائه في المنطقة بعد شهرٍ من محاولات الإدارة الأمركية تشكيل ما يسمّى "حلف دولي لمحاربة داعش"، أنه لا يمكن لأيّة قوةٍ في العالم أن تختزل الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية في مقاربة التعاطي مع قضايا المنطقة. ولعلّ في نتائج حرب غزة الأخيرة، معطوفةً على التطورات الكبيرة في اليمن، تأكيداً على المؤكد وتثبيتاً مرسخاً لها الدور.
الولايات المتحدة الأمريكية، التي خاضت ثلاث حروب كبرى في المنطقة (حرب الخليج الثانية، أفغانستان، والحرب على العراق)، تعي جيداً محاذير الدخول بأيّة مواجهة شرق أوسطية دون إستطلاع مزاج إيران، حتى وإن كانت تلك الحرب المزعومة تحت عنوان محاربة الإرهاب الذي يهدّد كل دول المنطقة ومنهم إيران. فأميركا التي خرجت من العراق بانسحابٍ من جهةٍ واحدة ودون اتفاقية أمنية، ما زالت تعاني من نفس المعضلة في أفغانستان، وقوات ايساف اليوم، هي رهينة الاتفاق الامني كي تتحرر.
أما في الحسابات العسكرية لنجاح ما تسمى الحرب على داعش، فإنّ الأمريكي يعلم جيداً أنّ ضرب داعش من الجو غير كافٍ، ولا يمكن القضاء على داعش دون السيطرة الجغرافية على الأرض، وهذا يتطلب ترتيباً للبيت العراقي قبل البدء بأي هجوم "جدي"، وهذا الترتيب يقتضي العمل على تثبيت التوافق السياسي العراقي كمدخل أساس لتنظيم المواجهة العسكرية التي لا يمكن أن يقوم بها الا الجيش العراقي، وإنّ خيار ميليشاوي عبر البشمركة أو الجيش المهدوي أو حتى قيامة فصيل عسكري سني كما يريد الامريكي يعني استنساخاً للمشهد الليبي، وهذا ما لن تقبل به إيران في العراق، بل إنّ هذا هو من أهم الأسباب بالإضافة الى الأسباب الأخرى، التي جعلت طهران ترفض المشاركة في التحالف وفي الموافقة عليه.
وهنا لا بدّ من الإشارة ضمن هذا السياق الى أنّ إيران استطاعت بدبلوماسيتها المتألقة والذكية، أن تستفيد من حاجة الغرب لمساندتها في الحرب على داعش بفرض إحياء ملف التفاوض النووي، ولعل تزامن توقيت المباحاث النووية مع الاجتماعات الأممية لمناقشة مسألة مواجهة داعش سيّما وأنّ اللقاء النووي جرى في نيويورك هذه المرة وليس في دولة أوروبية، خير دليلٍ على نجاح الإيراني في جرّ راعي البقر الى معلفه وريادة حياضه.
أما سعودياً، فكما يقول المثل الشعبي "ضربتين على الراس، بتوجع". المملكة التي لعبت بنار الحريق العربي على مدى ثلاث سنوات من تونس الى سوريا ومن مصر والعراق الى اليمن، بدأت تكتوي بهليب هذا الحريق، فالدولة السورية لم تسقط والعبث في العراق وأمنه أفضى الى امتداد إرهاب داعش 814 كيلومتراً على حدودها، أما الطامة الكبرى فهي خسارة الورقة اليمنية بالكامل، فلسقوط صنعاء بيد الحوثيين تداعيات كبرى على كامل الخريطة الجيوسياسية لبلاد الحجاز. إنه سقوطٌ مدوٍّ لسياسات المملكة المفرطة في المنطقة، ولعلّ أهم أخطاء عهد الملك عبدالله هو الاعتماد على فريق عمل أسقط اللغة والممارسة الدبلوماسية واعتمد العنتريات والبندريات المتطرفة والمفرطة في "مغامراته غير المحسوبة" والقصيرة النظر.
والسؤال الذي يطرحه المراقبون الآن: هل حقاً استدركت المملكة عقم خياراتها فتراجعت عن المضي في سياساتها الانتحارية، أم أنها تناور خصومها ضمن توجيهٍ وإيعازٍ أمريكي لجرّ طهران الى التحالف الأممي لمواجهة داعش؟ وكيف نفسّر قبول المملكة بتدريب خمسة آلاف مقاتل شهرياً على أرضها لقتال الأسد، في ظلّ الحديث عن فتح "صفحةٍ جديدة" في العلاقات الايرانية السعودية بحسب وصف ظريف اليوم؟ وهل ستقبل إيران بازدواجية المعايير السعودية في ظلّ سياسة طهران اعتماد "السلة الواحدة" في التفاوض؟
لا شكّ أنّ على المملكة استكمال هذه الخطوة "العقلانية" بخطواتٍ أخرى أكثر التزاماً وجديةً حيال قضايا المنطقة، ومنها وأهمها وقف دعم الإرهاب الذي لا طائل منه في سوريا. ولتقرأ في الفهرس السياسي الإيراني جيداً، أنّ طهران التي زارت اردوغان وأكدت على الدور الإيراني التركي الكبير في قيادة المنطقة، لم تتخلَّ عن الأسد بنفس الوقت، فالأسد ليس نظاماً كما يستسيغ البعض وصفه، بل منظومة متكاملة تبدأ من طهران ولا تنتهي في غزة، والرئيس الأسد قائد أعلى لجبهة منظومة الممانعة، تلك المنظومة التي تبني إيران قوّتها الاقليمية من خلالها، لذلك، فإنّ أفضل القول، إنّ ما شهدناه اليوم من تقارب في نيويورك يبقى رهناً بخواتم الأمور، من ملف المفاوضات النووية الذي عاد وانطلق بزخم "الرشوة" الدولية، الى التعديل في برنامج المواجهة الذي سيستهدف داعش، وما بين الخوف السعودي من الخطر المحدق على كيانها وأراضيها وبين السباق الدولي "لتحجيم الإرهاب" قبل أن يصل الى الجزء الشمالي من الكرة الارضية، يبقى الإيراني يحيك سجادته بهدوء المتمكّن من الأحداث.. ومن النتائج.