أميركا «المعتدلة» تسلّح «المعارضة المعتدلة»

أميركا «المعتدلة» تسلّح «المعارضة المعتدلة»

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ سبتمبر ٢٠١٤

أميركا التي قامت على أنقاض شعب الهنود الحمر في عملية إبادةٍ لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، إلّا ما فعلته بريطانيا بشعوب استراليا البدائية، ومن يومها لا تزال أميركا وبريطانيا تتشاركان الانقضاض على الشعوب ونهب خيراتها وتدمير بنيتها.
أميركا التي يمتلئ تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية بالغزو والتدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة الأمن العالمي وأمنها الاستراتيجي، لا تزال مستمرّة بنهجها وبقساوةٍ ووحشيةٍ كبيرتين تحت شعار الاعتدال والديموقراطية.
أميركا المعتدلة لم تقصّر يوماً بدعم جماعات الاعتدال ودعاة الديموقراطية، وها هي اليوم وعبر الكونغرس الأميركي وبطلبٍ من أوباما تعلن استعدادها لتدريب وتسليح المعارضة "المعتدلة" في سورية لمواجهة خطر "داعش" والجيش العربي السوري.
وإن كنا في زمن ضياع المصطلحات والتوصيفات الخاطئة، في زمنٍ تسمّى فيه الأشياء بغير أسمائها، فلا غرابة أن تُطلق أميركا على الجماعات المسلحة في سورية اسم الجماعات المعتدلة، فهل في سورية فعلاً جماعات معتدلة؟ وهل قصّرت أميركا وحلفاؤها في الهجمة على سورية في تقديم الدعم لهذه الجماعات؟ وهل تحتاج هذه الجماعات أسلحةً غير فتاكة بحسب المصطلح الأميركي والغربي؟ وهل ستكون الأسلحة المنْوي تزويد المعارضة المعتدلة بها في المرحلة القادمة فتاكة؟ وما هو الفرق بين الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة؟
أسئلةٌ تحتاج لأجوبة تقارب الواقع في الميدانين السوري والعراقي، وإن كان الأمر في العراق رسي لمصلحة "داعش"، فماذا عن الجماعات المسلحة في سورية وما مدى قوتها وتأثيرها، وما هي طبيعة تسليحها وقدرة هذه الجماعات وأسلحتها على إحداث "التغيير المنشود" الذي تضع له قيادات هذه الجماعات مدّة زمنية بين الحين والآخر، لم تفلح في الوفاء بوعدها بإسقاط النظام منذ قامت هذه الجماعات وحتى اللحظة؟؟
وقبل الدخول في استعراض الموضوع، لا بدّ من الإشارة الى أنّ أقصى ما تسعى اليه أميركا حالياً هو العمل على إقامة شريطين عازلين، واحد في الشمال لتأمين نطاق عمل للجماعات المسلحة ويشكّل منطلقاً للعمليات العسكرية ضد الجيش السوري الى جانب إبقاء الضغط على حلب لشل قدراتها الاقتصادية والصناعية، وشريطٌ آخر في الجنوب يؤمن للكيان الصهيوني منطقةً عازلة تساهم في ترسيخ أمنٍ مزعومٍ لهذا الكيان وتبقي الضغط قائماً على العاصمة دمشق، من خلال جعل أرياف القنيطرة ودرعا مناطق غير مستقرة الى أمدٍ بعيد.
وبدايةً، لا بدّ من التذكير بسلوك الجماعات المسلحة التي تعتمد أسلوب الجماعات القادرة حين تحقّق النصر، وحجة العجز التسليحي حين يتمّ إلحاق الهزيمة بها، وهو أسلوبٌ تعتمده هذه الجماعات لتبرير عجزها عن تحقيق انتصارٍ كبير وجذري رغم مرور أربع سنواتٍ على عمر الأزمة في سورية. وعندما يقول أوباما إنّ المعركة ضد داعش قد تستمر لسنوات، فهذا يعني مزيداً من المعارك والدمار وإلحاق الأذى بسورية في كل المجالات، ليبدو المشهد واضحاً حول الانتقال من فكرة إسقاط النظام والتي هي في الأساس فكرة شكلية، الى القول بطول المدة الزمنية لاستمرار العمليات العسكرية لتحقيق الهدف الأساسي وهو تدمير سورية.
والناظر بعين الموضوعية الى طبيعة الجماعات المسلحة وعددها وتناقضاتها يُدرك أنّ الهدف هو ترك سورية في حالةٍ من الفوضى بعد سقوط النظام الذي لم يتحقّق، لتكون سورية الشبيه الأكبر للنموذج الليبي القائم على التناحر والتذابح، وهو أمرٌ تعيشه الجماعات المسلحة في سورية بفارق أنّ الدولة والجيش ومقومات السلطة ما زالت قائمة وتحقّق إنجازاتٍ هامّةً ميدانية وسياسية، استعادت من خلالها الدولة السورية سلطتها على المدن الكبرى والمواقع الاستراتيجية للدولة، وإن كانت هذه النسبة لم تشارف بعد على تحقيق النقلة الأخيرة باتجاه الحسم الكامل.
وإن كانت أميركا تصف بقايا الجيش الحر بالمعتدلة، فلا شكّ أنها لا تشاهد تلفزيون هذا الجيش وأقصد تلفزيون "السوري الحر"، الذي يمارس أعنف وأخطر عملية تحريض مذهبي وطائفي ساهمت وتساهم في شحن النفوس وإذكاء نار الفتنة والتحريض.
وبالعودة الى الموضوع الأساسي سنقسّم البحث الى قسمين، قسمٌ يستعرض أبرز الجماعات المسلحة، والقسم الآخر لاستعراض قدرات وتسليح هذه الجماعات.
1- الجماعات المسلحة التي شارف عددها الـ1500 جماعة، هي بغالبيتها الساحقة جماعات متشددة تعتمد المنهج السلفي والوهابي وتؤمن بالتكفير والعنف، وأغلبها مارس هذا العنف بكل أشكاله بما فيها الذبح والإعدام بدون محاكمة والتصفيات والمجازر الجماعية وغيرها من الأساليب العنفية، وابتكار أساليب جديدة في التنكيل والتعذيب والقتل من قطع الرؤوس وشويها وأكل القلوب وغير ذلك، ولم يقتصر الأمر على الجماعات المتشدّدة فقط، بل وصل الى كتائب وألوية "الجيش الحر" الذي تدّعي أميركا أنّه جماعة معتدلة، وتشير المعلومات الى وجود حوالي 170 الف يقاتلون في صفوف هذه الجماعات، وأبرز هذه الجماعات:
- جبهة ثوار سورية والتي يقودها جمال معروف ويقارب عدد قواتها الـ10 آلاف مقاتل، وتتركز عمليات الجبهة في شمال سورية.
- الجبهة الإسلامية السورية وأقوى فصائلها حركة أحرار الشام التي تعرضت لتصفية جماعية لحوالي 20 من قياداتها الأساسية منذ أسبوع تقريباً، بواسطة انفجارٍ استهدف أحد مقراتها في ريف إدلب، وتضم بحسب المعلومات حوالي الـ30 ألف مقاتل وكانت بقيادة حسان العبود، وتتشكل من 12 جماعة مختلفة قبل توحّدها تحت اسم الجبهة الإسلامية السورية.
- جبهة تحرير سورية الإسلامية، ويقدّر عدد مقاتليها بحوالي 40 الف مقاتل وهي تتشكل من حوالي 22 فصيل متشدد وتنتشر في إدلب، حلب، دمشق، حمص، ودير الزور، وهي بقيادة أحمد عيسى قائد لواء صقور الشام أحد ألوية الجبهة.
- جيش الإسلام وهو يتشكل من حوالي 45 فصيل مسلّح ويقوده زهران علوش ويقدر عدد مقاتليه بحوالي 20 الف مقاتل يتواجدون بشكلٍ أساسي في أرياف دمشق، وتشكّل دوما معقلهم الرئيسي إضافةً الى انتشارهم في مناطق مختلفة من الغوطة.
- إضافةً الى جماعاتٍ أخرى أبرزها حركة حزم، ألوية أحفاد الرسول، جبهة الأصالة والتنمية، هيئة دروع الثورة، لواء شهداء اليرموك، تجمع أنصار الإسلام وكتائب الوحدة الوطنية، يقارب عدد مقاتليها حوالي الـ20 الف مقاتل.
- جبهة النصرة ويقودها أبو محمد الجولاني، وهي تحتوي حوالي الـ15 الف مقاتل ينتشرون في أغلب الاراضي السورية، وهي الجهة التي تبنّت أكبر عدد من الهجمات الانتحارية في أغلب مناطق سورية، والنصرة هي نسخة القاعدة في سورية ودخلت في صراعات دموية مع فصيل قاعدي آخر هو دولة العراق والشام، أو ما يصطلح على تسميته "داعش"، وآخر تواجد لأبو محمد الجولاني كان في مغارةٍ عثرت عليها قوات الجيش السوري في جبلٍ قرب حلفايا بريف حماه، فرّ الجولاني منها الى مكانٍ ما في ريف ادلب لم يتم تحديده بعد، ويذكر أنّ آخر معارك النصرة كانت بمواجهة جبهة ثوار سورية في ريف إدلب.
- "داعش" وهو تنظيمٌ استطاع خلال سنةٍ واحدة أن يقفز بانتصاراته على الجماعات الأخرى ويسيطر على مناطق واسعة في المنطقة الشرقية في سورية، وآخرها اليوم من خلال إعلان سيطرته على 21 قرية جنوب عين عرب الكردية إضافةً الى سيطرة كبيرة في ريف حلب الشرقي والشمالي. ويعتقد أنّ تنظيم داعش استطاع خلال سنة أن يرفع عدد مقاتليه من 5000 الى ما يقارب الـ35 الف مقاتل أو أكثر، لامتلاكه قدرات مالية ضخمة بسبب سيطرته على حقول النفط في المنطقة الشرقية والتي تؤمن له موارد مالية كبيرة.
2- على عكس ما يعتقده الكثيرون، فإنّ الجماعات المسلحة في سورية تمتلك ترسانة أسلحة كبيرة وهائلة تستطيع إلحاق الضرر البالغ وهزم أكبر الجيوش، ولكن طبيعة تركيبة هذه الجماعات القائمة على عشرات التناقضات وطبيعة الخطط والإجراءات التي اعتمدتها القيادة السورية في المواجهة جعلت هذه الجماعات رغم ما تمتلكه من أسلحة عاجزة عن تحقيق أهدافها، وسنستعرض معاً بعض صنوف الأسلحة التي تمتلكها هذه الجماعات وهي:
- الدبابات والمدرعات: وتتقاطع المعلومات حول رقم يقارب 280 دبابة من طرازات مختلفة بينها بعض دبابات الـ"ت – 72" وعدد من دبابات الأبرامز الأميركية التي استولى عليها تنظيم داعش من الجيش العراقي، في إشارةٍ الى أنّ داعش وحدها في سورية تمتلك حوالي 85 دبابة، إضافةً الى حوالي 350 عربة مدرعة مختلفة من طرازات بي ام بي وشيلكا وبي تي ار وبعض المدافع المحمولة من عياري 122 و 152 ملم.
- حوالي الـ60 مدفع ميدان من عياري 122 و130 ملم أغلبها في جبهات حلب وادلب والرقّة، إضافةً الى عدد من راجمات بي ام – 21 لم يتم تحديد عددها بدقّة وعشرات الراجمات من عيار 107 ملم، وأغلبها محمول على سيارات دفع رباعي.
- مئات مدافع الهاون ومدافع جهنم المحلية الصنع وهي تؤمن لهذه الجماعات قوّة نارية تستخدم أغلبها في قصف المناطق السكانية.
- آلاف السيارات رباعية الدفع المحمول على متنها مئات الرشاشات الثقيلة من عيارات 14.5 و23 ملم و37 ملم و57 ملم، وأكثر من الف رشاش من فئة 12.7 ملم وآلاف الرشاشات المتوسطة.
- آلاف قواذف الـ"آربي جي 7" ومئات من قواذف "آربي جي 29" وأعداد كبيرة من القواذف المحمولة على الكتف والتي ترمى بعد استعمالها.
- عشرات منصات الصواريخ ضد الدروع من طرازات مالوتكا وميتس وكونكورس ودراغون وكورنيت وتاو وميلان، قادرة على العمل بين مسافات الف و5500 متر وقد حصلت الجماعات المسلحة عليها من أميركا والسعودية وتركيا وفرنسا ومن بعض مواقع الجيش السوري.
- عشرات الصواريخ المضادة للطائرات من طرازات سام – 7 وسام – 14 وسام – 16 وسام -18 وستينغر الأميركية، استطاعت أن تؤثر بعض الأحيان على عمل سلاح الجو السوري.
- قدرات اتصال متطورة جداً تمّ تزويد هذه الجماعات بها من أميركا وفرنسا أغلبها مرتبط بالأقمار الصناعية، إضافةً الى أجهزة قادرة على التشويش والتنصت يديرها خبراء غربيون.

- معدات حفر أنفاق المانية فردية ومتوسطة تمّ بواسطتها حفر مئات الأنفاق لأهداف التسلل والتخزين والتفجير وغيرها من الأهداف.
- مئات آلاف قطع السلاح الفردية والقنابل اليدوية وعشرات آلاف الأطنان من المواد المتفجرة الحديثة والمحلية الصنع، تشكل ترسانةً هائلة من القوة التفجيرية تستخدم لأغراض مختلفة.

ختاماً، إنّ موافقة الكونغرس على تزويد هذه الجماعات بالأسلحة والدعم بالتدريب والتجهيز لن يؤثر كثيراً على ميزان القوى الحالي، حيث أنّ العوامل نفسها التي أدّت الى هزيمة هذه الجماعات ما زالت على حالها وهي على ما يبدو مرشحة لمزيد من التناحر والانهيار، حيث سيشكل الأمر عامل مساعدة للجيش السوري في مواجهة وحش أميركا "داعش" ومعتدليها من الجماعات الأخرى.