هل حقاً تستطيع السعودية ضرب داعش ؟

هل حقاً تستطيع السعودية ضرب داعش ؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ سبتمبر ٢٠١٤

 لأول مرة في تاريخ الصراعات في المنطقة، تعلن المملكة السعودية جهاراً، نيتها مواجهة تنظيمٍ متطرفٍ بشكلٍ مباشر، كاسرةً حاجز الخوف من انعكاس اي مواجهة على الداخل السعودي .
المملكة التي تعتمد فكر ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب، منهلاً للحكم والتديّن, ومنهاجاً لتطبيق الشريعة التي انتجت على مدى عقود عدة، اجيالاً من المشايخ والدعاة الذين نشروا، بدعم ورضى المملكة، هذا الفكر العنفي والتكفيري الإلغائي, تريد اليوم محاربته والدخول في المواجهة معه، في تغيّر ملفت لسياستها التي تعتمد اسلوب "المواجهة في الخفاء "، فهل تستطيع ذلك ؟
من المملكة خرجت البعثات الدينية الى باكستان "النووية " بعد اقصاء علي بوتو واستلام ضياء الحق لتعيد تلك الدولة الاسلامية الصاعدة، قرونا الى الوراء وتدخلها عصر الظلمات، والامر سيان في افغانستان، وفي العديد من دول المنطقة، وما نراه في نيجيرها وصحراء الجزائر وكينيا والصومال واليمن وتونس، هو وليد هذا الفكر، الفكر المنتج  لاسامة بن لادن، الذي تحول من اداة غربية لضرب روسيا الى غول ابتلع الامن والسلام العالميين .
وداعش، المولود الهجين بين بن لادنية الظواهري وفرق الموت الامريكية والاستخبارات البريطانية، هو الجيل الثالث المهجن بعد جيل بن لادن والزرقاوي الذي فاق التوقعات والمواصفات الموجود لأجلها، فانفلت من عقاله، وتخطى الحدود التي رُسمت له، وتحول من اداة لضرب انظمة الحكم في سوريا وليبيا وتونس والعراق، الى مارد ارهابي لا يمكن ايقافه او ضبطه بما بات يملكه من مقومات وقدرات بشرية ومادية، فاقت التوقعات والحسابات، ما جعل صناع هذا المارد وداعميه يتداعون الى اعلان النفير وحشد التأييد الدولي لضربه او بتعبير اصح لتحجميه واعادته الى حظيرة الارهاب الموجه .
المملكة العربية السعودية استشعرت الخطر الداهم، فالعراق ليس باكستان او افغانستان اللتان تبعدان الاف الكيلومترات عن حدودها . داعش اليوم على امتداد 814 كلم مع المملكة، بالاضافة الى ان اكثر من نصف الشعب السعودي مؤيد لفكرها مما يشكل خطراً وجودياً لا يمكن الاستخفاف به .
في مقالة " جف ستيف " في النيوز ويك، يعلق الكاتب ساخراً من قدرات المملكة على مواجهة داعش : " التقنيون الغربيون الذي يعملون في قاعدة الظهران العسكرية يؤكدون ان الطائرة الوحيدة التي يستطيع قيادتها طيار سعودي هي طائرة تورنادو البريطانية المرمية في زوايا القاعدة " . ويضيف معقباً : الترسانة الحربية الجوية السعودية التي تمتلك اكبر سرب لطائرات ال اف 16 الامريكية خارج اميركا، لا تستطيع الطيران بدون مساعدة مئات الطيارين الامريكيين والبريطانيين، والامر كذلك بالنسبة للدبابات والسفن الحربية وغيرها من القطع المقاتلة، حيث ان المملكة تعتمد بشكل كلي على التقنيين الاجانب وعلى الضباط غير السعوديين، حتى فيما يختص بالجيش وافراده، هناك خللا بنيوياً مرده ان الجيش السعودي ينقسم الى قسمين : الضباط الكبار المقربين من العائلة الحاكمة، والجنود البدو اللذين ينضمون الى الجيش طمعاً بالراتب والتقديمات الاجتماعية مما يلغي فئة مهمة وهي فئة الرتباء الذين يقع عليهم تدريب الافراد والتاكد من تنفيذ خطط القتال وترسيخ العقيدة القتالية، تلك الفئة، يشغلها بعض الاجانب ايضاً مما يشكل خلالاً حاداً تجلى في الاداء الهزيل للجيش السعودي في مواجهته مع الحوثيين ."
وفي تعليق ل " كنيث بولوك "، المسؤول السابق في السي اي اي حول قدرة الجيش السعودي يقول: لا يمكن الاعتماد على الجيوش التي تدربها اميركا، فالجيش الافغاني فشل في ضبط طالبان واعادة الامان الى فغانستان، والجيش العراقي ايضا فشل في مواجهة داعش و حتى " الثوار السوريين " الذين دربتهم اميركا فشلوا في اسقاط نظام الاسد، فهل من المعقول ان ينجح الجيش السعودي في ذلك ؟ والسؤال الاهم : كيف للمملكة ان تدرب خمسة الاف مقاتل وهي عاجزة عن ادارة جيشها دون مساعدة الاجانب ؟ المسالة غير منطقية " . ثم يستطرد قائلا : ابان حرب الخليج الاولى، تمركزت القوات الامريكية في شرق المملكة، فقام المتطرفون باستهدافها تحت شعار طرد الاجانب من ارض الحرمين الشريفين وشهدنا التفجيرات التي طالت مراكز تواجد الامريكيين في المنطقة الشرقية وغير مكان مما استدعى خروجا كبيرا للامريكيين من المملكة، ماذا لو قامت تلك الخلايا النائمة باستهداف الامريكيين والبريطانيين العاملين في المؤسسة العسكرية مرة اخرى ؟ هل يصبح للقوات السعودية اي قيمة تُذكر ؟ ينهي " بولوك " تعليقه .
اما " ريتشارد باريت " المسؤول عن وحدة مواجهة الارهاب في مركز المخابرات البريطاني " ام اي 6 "، فقد ذهب بواقعيته ابعد من ذلك، قائلاً : " لا يجب على السعوديين ان يقفوا متفرجين كما هو عهدهم، عليهم ان يلعبوا دورا ما ولو كان صغيرا وعليهم ان يفكروا بما لم يفكروا به من قبل، فالخوف الذي يعتري المملكة الكامن في تداعيات مواجهة الاصوية والتطرف على داخلها من المؤيدين لهذا النهج الفكري التي تتبعه داعش لا يجب ان يكون حاجزاً امام التفكير بحلول جريئة، فاميركا وان قصفت بطيرانها معاقل داعش، الا انها لا تستطيع استعادة الجغرافية بدون جيش، والجيش السعودي عقيم، اما اذا ارادت اميركا والسعودية الاعتماد على الجيش العراقي او البشمركة، فعليهم ان يحاوروا ايران ويتفاهموا معها لانها الوحيدة التي تملك القدرة والقرار على مساعدة الجيش العراقي ولها ما لها من دور سياسي في المنظومة السياسية التي لا يمكن للجيش العراقي ان يكون فاعلاً بمعزل عنها " .
لذلك، الجمهورية الايرانية كانت تدرك جيدا عناصر القوة والضعف في التحالف الدولي، ولهذا السبب سخر المرشد الاعلى من الحراك الدولي الذي يجري ومن التئام ذاك الحلف في جدة وبعدها في فرنسا بمعزل عن المشاركة الايرانية او السورية، لانه يعي جيداً، ان لا نجاح لخطط القضاء على داعش، " اذا صدقت النوايا "، الا بتعاون ايراني سعودي، اوله انهاء حالة اللاعقلانية السعودية في مقاربة العلاقة مع طهران، واخره الاعتراف بأن ايران ليست العدوة الحقيقية للمملكة، انما العدو الاول للملكة هو نهجها الفكري المتطرف الذي ولّد داعش، وحلفائها الذين يلوحون بالامن كي يبرموا معها صفقات السلاح التي لا فائدة منها ولا طائله سوى هدر ثروات شعبها وثروات الامة .
لقد لفتني كلام سعود الفيصل في جدة حينما قال :" علينا ان نحارب فكر داعش "، فهل صَدَقَ القول ؟ وهل سيضرب داعش من هذا المنطوق، ام تنتظر المملكة دورها بعد العراق ؟ .