عرسال إلى نقطة الصفر مجدداً.. الفتيل لم يسحب بعد

عرسال إلى نقطة الصفر مجدداً.. الفتيل لم يسحب بعد

تحليل وآراء

الخميس، ١١ سبتمبر ٢٠١٤

 عادت "تلة الحصن" الى واجهة التداول الإعلامي، في إطار تغطية إستعادة الجيش اللبناني لمواقعه، التي كان قد سيطر عليها المسلحون في بلدة عرسال، مع هجومهم عليها مطلع شهر آب المنصرم. وفي الوقت الذي كانت فيه تلك المنطقة من جرود البلدة، نقطة إنطلاق المعركة وأولى جبهات المواجهة التي سقطت في يد المسلحين، فإنها تعود اليوم لتظهر في سياق آخر النقاط التي يثبت فيها الجيش اللبناني إنتشاره، وفقاً لخطته الرامية الى فصل جرود عرسال عن البلدة.
إستكمل الجيش اللبناني اليوم تنفيذ إنتشاره في محيط بلدة عرسال متقدماً نحو منطقة "الحصن" والتي لا تقتصر على تلة فقط، إنما هي مجموعة تلال ووادٍ يشكلون معبراً متقدماً من الناحية الشرقية لعرسال، بإتجاه جرود البلدة ومنطقة القلمون حيث ينتشر مسلحو جبهة النصرة وداعش. وقد كانت منطقة الحصن فيما مضى، تشكل آخر المعابر الشرعية بين البلدة البقاعية والجرود، والتي إستخدمها المسلحون في نقل إمداداتهم من البلدة نحو القلمون حيث يعانون من حصار الجيش السوري وحزب الله. وبالتالي فإن إنتشار الجيش في تلك المنطقة يعني قطع آخر طرق الإمداد الشرعية التي يستخدمها المسلحون، وهو على الأقل قد عزل القسم الشرقي من البلدة عن جرودها مشرفاً على إمتداد جغرافي واسع سيصعّب على المسلحين مهمة التنقل والتسلل بين عرسال وجرودها. لكن هل يعني ذلك عزلاً كاملاً للبلدة عن الجرود كما أشيع ؟ وما أهمية تلك الخطوة في معالجة الخطر الكامن بين عرسال وجرودها ؟
عادت الأمور الى حيث بدأت، تقول مصادر عرسالية لـ"سلاب نيوز"، فخطوة الدولة اللبنانية اليوم تأتي في إطار إستعادة ما خسرته لا في إطار التقدم. وتشرح المصادر مؤكدةً أن " الإنتشار الميداني لكل من المسلحين والجيش اللبناني أشبه بالإنتشار الذي كان قائماً قبل ليلة واحدة من إنطلاق المعارك في البلدة، فالجيش عاد ليسطر على التلال والمعابر والحواجز التي كان ينتشر فيها، فيما المسلحون ما زالوا في مواقعهم داخل البلدة وفي جرودها، وعليه فإننا عدنا الى نقطة الصفر."
قد يفسر ما سبق، السبب الذي دفع بقيادة الجيش الى عدم إصدار أي بيان من مديرية التوجيه يوثق فيه تقدمه اليوم، فعلى أرض الواقع لا تقدم إنما عودة الى البداية، مضافاً اليها مزيداً من التحصينات والتحضيرات التي أقامها الجيش في سبيل رفع جهوزية النقاط التي إنتشر فيها لتفادي إمكانية تكرار سيناريو الثاني من آب الفائت. لكن هل هذا كاف للقول بأن سيناريو إجتياح المسلحين لعرسال لن يتكرر ؟
تقول المصادر أن خطوة الجيش قد تكون مفيدة في عرقلة حركة المسلحين خاصة مع الأوامر الممنوحة له بإستهداف أي تحرك مشبوه في الجرود، لكنها تشير الى أن "ضعف التحصينات والجهوزية لم تكن السبب الوحيد في السقوط السريع لمواقع الجيش في محيط البلدة، إنما هي الوقائع الميدانية التي تقول بأن الجيش واقع بين خطي تماس الأول من الجرود التي ينتشر فيها المسلحون، والثاني من داخل عرسال نفسها حيث يتخفى المسلحون بين المدنيين السوريين في مخيمات النزوح، وقد إزدادت تجهيزاتهم وأعدادهم داخل البلدة بعد المعركة الأخيرة، وبالتالي فإن المعطيات لم تتبدل وإنتشار الجيش كذلك، وإن لم تتم معالجة حالة المسلحين داخل البلدة وفي المخيمات فإن الجيش هو المحاصر واقعياً بين مسلحي الجرود ومسلحي البلدة، وأمام هكذا معطيات فإن تكرار ما حصل سابقاً مع الجيش سيكون رهن مزاجية المسلحين وقرارهم ."
من جهة أخرى، تعتبر المصادر أن الحديث عن عزل تام للبلدة عن جرودها ضرب من الخيال، إذ أن انتشار الجيش اليوم يمنحه سيطرة على المعابر الشرعية والطرق المعروفة التي تربط عرسال بجرودها، لكن عشرات الطرقات الترابية، خاصة من الجهة الجنوبية الشرقية للبلدة ما تزال مفتوحة أمام تحركات المسلحين، ويحتاج ضبطها الى ضعف التعزيزات البشرية واللوجستية التي إستقدمها الجيش.
وحول تأثير خطوة "العزل" لو حصلت على ملف العسكريين المخطوفين، تسخر المصادر من "نقاط قوة"، أعلنت عنها عدة جهات حكومية، تكمن في خطوة العزل، وتتسائل المصادر "أي نقاط قوة، وما زالت الدولة اللبنانية تجهل مكان إحتجاز العسكريين إن كانوا في داخل البلدة أم خارجها؟ وفي حال كان المقصود بذلك تضييق الخناق على المسلحين، فإن هكذا خطوة تستوجب تنسيقاً علنياً ومستمراً بين الجيش اللبناني والجيش السوري من أجل إطباق الحصار على المسلحين ورصد تحركاتهم بين الجرود السورية واللبنانية، وتفادي معارك قد تنتج عن فرار مسلحين بإتجاه لبنان نتيجة عمليات عسكرية وضغط من الجانب السوري، فيما الرئيس تمام سلام رفض أي تنسيق من هذا النوع ما يعني فشل أي نية في خنق المسلحين وإجبارهم على التنازل في ملف المخطوفين".
يبدو أن جميع المعطيات والوقائع ستظل تشير الى سبيل واحد لحل أزمة عرسال منذ بدايتها مروراً بكافة التطورات الطارئة عليها. فمهما حاولت الحكومة اللبنانية "اللف والدوران" وإعتماد "الميوعة الممنهجة" في المعالجة، يبقى أساس المشكلة في عدم الجنوح للإعتراف أولاً، بأن عرسال (البلدة) مخطوفة اليوم بمعية سياسية، خارجية ومحلية، من قبل الإرهاب الذي لا بد من الإعتراف أيضاً بوجوده، وقد باتت بمخيماتها وبعض النافذين فيها بيئة حاضنة للإرهاب. ثانياً الإعتراف بضرورة التنسيق مع الجيش السوري والتعاون معه من أجل إنهاء حالة مسلحي القلمون نهائياً، وإلا فإن أي إجراءات إنتشار للجيش هنا ووساطات هناك، ستبقى في إطار الرقص حول فوهة البركان القابل للإنفجار وإغراق البلد بحممه في أي لحظة.