تفاءلوا.. بقلم: سامر يحيى

تفاءلوا.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ سبتمبر ٢٠١٤

التفاؤل إن لم يكن متصّلاً بالإبداع والنشاط وإيجاد الحلول ليس تفاؤلاً، بل اتّكالٌ على الآخر، أو مسلَّمٌ سلبيٌ بالأمر الواقع، وتقول الحكمة "إنّ من يملك الأمل يملك سفينة يمخر بها عباب البحر"، وقال الشاعر:
 على الرجاء يعيش الناس كلّهم     فالدهر كالبحر والآمال كالسفن
والتفاؤل كما عرّفه معجم المعاني "استعداد نفسي يهيئ لرؤية جانب الخير في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة، ويساعد على تحمّل مصاعب الحياة". قد تسأل شخصاً ما عن أحواله، يقول لك: متفائلٌ، والبعض يقول: متشائمٌ، متجاهلين أنّ التفاؤل هو بذرة الحياة الأولى، التي لا يمكن لها النمو دون الرعاية والاهتمام، وهذه الرعاية تحوّل التفاؤل من تواكلٍ على الآخر، والسلبية في التعاطي مع الأمور تحت شعار "تفاءل بالخير تجده"، إلى عملٍ جاد وتفكير منطقي للوصول للهدف المنشود الذي يرغبه المتفائل، بدءاً من نظرته لنفسه بأنّ أموره ستسير بشكلٍ إيجابي، والمستقبل سيكون حليفه، وصولاً إلى التفاؤل بتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار على مستوى البلد ككل، وهذا ليس تنظيراً، فكلّ منّا له موقعه وله مكانته في الحياة، وعمل كل منا يساهم في وضع لبنةٍ في بناء المجتمع ككل.
فالمتفائل ليس فقط من ينظر إلى آخر النفق فيرى النور، بل من ينظر إلى آخر النفق ويفكّر بكيفية الوصول إلى النور والخروج الآمن من هذا النفق، المتفائل هو الذي يفكّر بالطريقة الأنسب لإشعال الضوء في أحلك الليالي وأسوأ الظروف، المتفائل هو الذي يعتبر الماضي صندوق تجارب يساهم في النهوض بالحاضر للوصول إلى المستقبل المزدهر المشرق، المتفائل يجد الأسلوب الأفضل من أجل التخلّص من كافة العوائق والسلبيات عبر التفكير المنطقي، المتفائل من يستطيع إيجاد الحلول لأصعب المشكلات بأقل التكاليف وأقصر الطرق عبر التشخيص السليم والمنطقي للمشكلة التي يعاني منها، ويبحث بالعقل والمنطق عن الطريق المناسب لذلك.
التفاؤل مطلوب من كلٍّ منّا، مطلوب من المسؤول أن يتفاءل بالمنصب الذي وصل إليه بأن يقوم بالعمل على تحدّي الصعوبات والمعوقات، وأن يبذل الجهد للنهوض بالمؤسسة التي يعمل بها، متفائلاً بأنّ المستقبل معه وله عبر العمل الجاد وانعكاس نتائج عمله على أرض الواقع، فليس من واجب المسؤول أن يخاف على كرسيه ويعمل على المحافظة عليه والتمسّك به بطرقٍ سلبية، تضرّ المؤسسة لا تفيدها، سواء التي يقوم المسؤول بها بإرضاء طرفٍ معيّن على حساب المجتمع الذي أوصله إلى هذا المنصب، أو بالتوقّف عن عمل شيء ما بحجّة التوفير، وألا يترك حجّة لمن بعده لكي يتكلّم عنه بسلبية، فحسن استثمار الموارد المتاحة أمامه هو السبيل الوحيد للوصول للطريقة الأمثل وتحقيق مصلحته العليا، وبالتالي مصلحة الوطن، والعكس صحيح، مستذكراً أنّ المواطن العادي تبقى له اليد الطولى في وصول "ابن وطنه" إلى سدة المسؤولية.
على الموظّف الحكومي أن يتفاءل بالمستقبل، وتفاؤله هو القيام بواجبه على أكمل وجه، واثقاً بأنّه سيحصل على إيجابيات كثيرة جزاءً لعمله، إن لم يكن اليوم، ففي المستقبل بالتأكيد سينعكس عليه إيجاباً، وعلى الوطن ككل، فهو أيضاً موجود في عمله من أجل خدمة أبناء الوطن، ولا تقلّ مسؤوليته عن دور الوزير أو المسؤول الكبير، بل هو الأساس في المساهمة ببناء الوطن، كونه على احتكاك يومي مع المواطن، وعلى قدرٍ كبيرٍ من المعرفة والتواصل مع أبناء المجتمع، ويعرف معاناتهم ويستطيع اقتراح المساعدات لذلك، ومن هنا ضرورة تفعيل دور دائرة العلاقات العامة بكلٍ مؤسسة، التي تكون صلة الوصل بين المؤسسة وموظفيها، وبين المؤسسة والمجتمع الذي تعمل فيه لتفادي السلبيات وتعظيم الإيجابيات وتوضيح التصرّفات والقرارات التي تتخذها.
أيُّها المواطن، عليك التفاؤل بالخير لأنّك ستجده، ولا يهمّك الأشخاص بقدر ما يهمّك الأداء، وقد يكون شخص موجود قادراً على الاستفادة من أخطائه وتصرّفاته، وكون لا أحد منّا إلا وله إيجابيات وسلبيات، ولو فكّرنا بإيجابياته لتوصّلنا لقرارات تساهم بالبناء والتطوير.. وليس تفاؤلك بالتسليم بالأمر الواقع، ولكن أيضاً القيام بدورك وواجبك في تقديم النصح لهذا المسؤول، وتقديم الاقتراحات والظروف المناسبة التي تساهم في تحقيق الإيجابيات من خلال وجهة نظره، وبنفس الوقت بما يتناسب والإمكانيات المتاحة، وأن يجد العذر للمسؤول، والتفاؤل بالمستقبل بما يساهم بتفعيل دور هذا المسؤول بتعظيم إيجابياته وتخفيض سلبياته..
التفاؤل هو الجدية والنشاط والتعاون والتعامل بإيجابية، التفاؤل هو التفكير المنطقي السليم بعيداً عن التسليم بالأمر الواقع بعيداً عن الحقيقة والمنطق، فليس التفاؤل هو الشعور بالإيجابيات بعيداً عن العمل والنشاط.
التفاؤل هو أن ندرك بأنّنا استطعنا الصمود لسنوات عدّة في وجه العدوان الخارجي، والتصرّفات السلبية والاستغلال للبعض في الداخل لهذه الظروف، ما يشير بأنّه يمكن لنا الوصول لأفضل الطرق وتحقيق أفضل الإيجابيات وتحقيق الأمن والازدهار لبناء المجتمع.. فمن استطاع الصمود فترة طويلة، بالرغم من التضحيات الجسام، لابدّ أن يؤدي للبدء بمجتمع متقدّم.. فلنتفاءل ونستمر بتقديم الاقتراحات وتفعيل النقاش والحوار البنّاء والجاد بين الجميع للوصول إلى الاستفادة من هذه الظروف التي مرّت بها بلدنا، للانتقال إلى شطّ الأمان، وتحقيق الازدهار الذي لابدّ قادم بفضل تعاون وتضافر جهود الجميع دون استثناء أحد من أبنائه الوطنيين، وأؤكد لا يمكن اعتبار من خان البلد جزءاً من بُنَاته، فمن خان البلد سواءً كان داخل البلد مختبئاً وراء الشعارات الوطنية، والتنظير، أو هرب خارج البلد ينظّر بحرصه على الوطن والسيادة والاستقرار وهو يعيش بكنف الأجنبي وتحت رحمته....
لنعمل كلنا يداً بيد من أجل النهوض بواقع المجتمع، متفائلين بوصوله إلى الأمان والاستقرار والازدهار، واستكمال بنائه، عبر العمل الجاد والتفكير المنطقي لبناء سوريتنا المتجدّدة........