تحية لروح أديسون.. بقلم: فادي برهان

تحية لروح أديسون.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الاثنين، ١ سبتمبر ٢٠١٤

العبقري الفذ المخترع، الذي أنار العالم بفكره وأضاء الأرض بإنجازه، والذي لولاه لما جرت الحياة في شرايين البلاد والمدن والقرى... طولاً وعرضاً حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تقدم ورقيّ وحضارة تجسدت بكل مناحي معيشتنا وفي أدق تفاصيلها، بدءاً من النور ومروراً بالصناعات وصولاً إلى التواصل بأجهزة الاتصالات المختلفة، حتى غدت حياتنا كلّها متوقفة على اختراع ذاك العملاق الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ونهض بالعالم بأكمله وعلى كافة الأصعدة، فأصبح العالم الفسيح الواسع قريةً صغيرة بفضله.
 واليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين، وبعد أن تذوقنا حلاوة الكهرباء وترعرعنا في ظلالها عدنا لنشعر بمرارة فقدانها ونستشعر قيمة وجودها ونحسب بالثواني والدقائق فترة انقطاعها، متمنين أن يتعجل الزمن المحزن وغير المأسوف عليه لننعم بالطاقة الكهربائية التي أضحت اليوم عزيزةً كضيف حميم يزورنا سرعان ما يغادرنا، ضيف يحل بدارنا بغتة فنبتهل إلى الله ونصلي له ليمكث أكثر من ساعتين قبل أن يتربص بنا ضيف ثقيل الظل غليظ المكوث شبيه بالموت الزعاف، الذي يجعل أرواحنا تزور حلوقنا تحاول جاهدةً الفرار، لكننا وبقوة الباري نضبطها ونلجمها ونروّضها بكل ما أوتينا من قوة لتبقى وتستمر، ليس حباً بالحياة ولا شهوة لها، بل بُغضاً وكرهاً للموت البطيء الذي بدء يتسرب إلينا، وخاصة بعد أن تسرب الأمل من بين أيدينا.
فساعات التقنين تزداد يوماً بعد يوم وبناء على ازديادها تتعطل الكثير من المشاغل والأعمال، ويدب الترهل في أغلب الصناعات وتتراكم المسؤوليات ويسوّف العمل ويؤجل ما يجب إنجازه وتتأخر عجلة التقدم والتطور لا بل تتقهقر، حتى أصبحنا عاجزين عن المحافظة على ما تبقّى بين أيدينا، فبتنا نصبح ونمسي ونحن ندرك  ساعة فساعة أنّ الأحوال تزداد سوءاً، والتخريب يطال أغلب مؤسسات الدولة، ولم يبقَ لنا من سبيل نسلكه لنحافظ على متطلبات الحياة الأساسية من الكهرباء والماء وغيرها من ضرورات استمرار المعيشة، فهل ستتسرب الآمال من بين أصابعنا كما يتسرب الماء؟ وهل أصبحنا في زمن تقزمت فيه طموحاتنا إلى درجة الحلم بالكهرباء والماء؟ أليس من حق العقل البشري الذي اخترع الكهرباء أن يستخدمها لبعض أغراضه البديهية، ولن نقول: أن يستمتع أو يترفه بها؟ أليس من حق الشعب الذي عانى ما عانى من نار المسلحين وضحّى بالأرواح والأملاك والأطيان وتهجر من مناطقه وفقد أهله وذويه وحلّ -على استحياء-  ضيفاً في معسكرات اللجوء ومناطق الإيواء، أليس من حقه أن يرى التيار الكهربائي؟
وإلى متى ستبقى دمشق العاصمة وريفها الوادع تحت رحمة المسلحين يقطعون خطوط التوتر ويضربون محطات التوليد ويسيطرون على خطوط الغاز ويعطّلون العنفات ويخربون ويحرقون..؟
فإذا لم يكن من حق المواطن أن ينعم بالكهرباء، ولم يكن من حقّه استخدامها، فإنّ من حقه وبكل تأكيد أن يناشد المعنيين في وزارة الكهرباء ليعالجوا المشكلة المزمنة التي عطّلت وأخرت وعرقلت وأفسدت، وكذا فإنّ من حقّه أن يتوجه بكل قلبه وعقله وعواطفه وأحاسيسه ومشاعره ممتناً لروح أديسون العظيم المبتكر –المنسي- الذي عمّ فضله أرجاء المعمورة.