ماذا ينتظر أوباما؟

ماذا ينتظر أوباما؟

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

هذا القول لفرنسيس فورد كوبولا، مخرج «الابوكاليبس الآن»، في لعبة الامم لا فارق بين من يمتطي ظهر الشيطان ومن يمتطي الشيطان ظهره!
اذاً، من يمتطي ظهر «داعش» بل ظهر من تمتطي «داعش»؟ ظهورنا جميعا بالدرجة الاولى، اذا ما اخذنا بالاعتبار قول قطب سياسي لبناني لمعاونيه «كنا نصلى من اجل تحطيم النظام في سوريا، ولقد لبى الله صلاتنا بما لم نكن نحلم به، وتحطمت سوريا».
يا رجل...اما وقد تحطمت سوريا، فقد تحطمنا جميعا. من من اللبنانيين، من من العرب، يعرف اين يضع قدميه الآن، واين سيكون رأسه غداً؟
ولنأخذ بالرأي القائل ان تنظيم «الدولة الاسلامية» خرج من ثقب في الايديولوجيا، او من ثقب في التاريخ، وقد حوّلنا الاسلام الى ثلاجة للنصوص مثلما حولناه الى ثلاجة للبشر، فهل لنا ان نتصور ان ضبط الظاهرة او ادارتها ولأغراض استراتيجية محددة، لم يكن في اطار سيناريو اعدته اجهزة استخبارات دولية واقليمية لاعادة تركيب الشرق الاوسط على المستوى الجيوسياسي كما على المستوى الاستراتيجي...
المنطقة تغيرت كثيرا منذ ذلك اللقاء المحوري وعلى متن الطراد كوينسي في قناة السويس في شباط 1945 بين الرئيس فرنكلين روزفلت و الملك عبد العزيز آل سعود. النفط الذي طالما وصف بأنه الدم الذي تغتذي منه، او تقاتل من اجله، الامبراطوريات، هو الذي جعل الرئيس الاميركي الفذ يقطع نصف المعمورة، حاملا سبعة كيلو غرامات من الحديد بساقيه لاصابته بالشلل، ويتوجه الى لقاء العاهل السعودي بعدما رسم مع جوزف ستالين وونستون تشرشل في يالطا المعادلات الجديدة لادارة الكرة الارضية..
النفط الذي كان يفترض ان يجعل من الشرق الاوسط الفردوس بعد قرون طويلة من شظف العيش في حضرة الصحراء جعل منه جهنم. من يلتهم الآخر الآن نار الايديولوجيا ام نار النفط؟ ما نراه امامنا ان الله نفسه، وبلغة «داعش»، سقط في جاذبية النفط. لا اسلام من دون نفط و لكن اي اسلام؟
واضح اننا بتأويلنا الجنوني للنصوص، او بقراءتنا الجنونية للأزمنة، انتجنا، وباحتفالية نادرة، كل تلك الظواهر المجنونة. ولكن من هو العراب هنا ومن هم حجارة الشطرنج (او حجارة الدم) هنا؟
لاحظوا طريقة تعاطي باراك اوباما مع الظاهرة. تابعوا خط طيرانه، وتأملوا في المداولات الخاصة بتشكيل التحالف الدولي، وبـ«غطاء» عربي كي لا يقال انها الحملة الصليبية التاسعة ضد اهل السنّة. انهم ينتظرون ان تتمزق المنطقة العربية اكثر ليعاد ترتيب الاشلاء وفق معمارية استراتيجية اخرى..
كثيرا ما تحدثنا عن الكوندومينيوم التركي - الاسرائيلي، ودون ان نغفل بأي حال سعي ايران، وبشتى الوسائل، لتفعيل نفوذها في المنطقة. ولكن في ما يتعلق بـ «داعش» وبما تعنيه، اين هي تركيا الآن، وما هي علاقتها بجهة او بجهات عربية من اجل توظيف «داعش» في لعبة الحطام التي توصف مجازاً او تجاوزاً بـ«لعبة الامم». الآن لعبة ما تحت الامم ايضا...
حطام استراتيجي. ببداوة منقطعة النظير بنينا الابراج ولم نبنِ الدول، وببداوة منقطعة النظير بنينا الرمال ( والقبائل) ولم نبنِ مجتمعات. في كل اصقاع الدنيا تجد تلك المنظمات الاقليمية الفاعلة إن على المستوى الاقتصادي او على المستوى الاستراتيجي. ثمة جامعة عربية لم تتفق الا على تعليق عضوية سوريا فيها، ولم تعلّق عضوية تركيا بل ولم تعلق عضوية اسرائيل. أليس كذلك يا نبيل العربي؟
اذا كنا نقول ان ايران هي عدوتنا، فلماذا نتعامل مخملياً مع تركيا، ونقول خفية، وبين السطور، انها العرّاب الاقليمي لـ«داعش»، ولولاها لما كان ابو بكر البغدادي يجتاح سوريا و يجتاح العراق، وها هو يختال دمويا فوق الارض اللبنانية، هذا اذا بقيت الارض لبنانية فعلا..
لسنا اكثر من دمى، دمى بلهاء، على الخشبة. منذ البداية قال فلاديمير بوتين ان القواعد الجديدة للنظام العالمي ستخرج من سوريا. لم نفهم الاشارة. انه القيصر الذي مثل اي قيصر آخر، لكنه قال الحقيقة عارية. قررنا ألا نفهم، وان نحوّل عرسال الى ساحة مشرعة الابواب امام المعارضة السورية التي كانت تبحث عن غرفة العمليات خارج الحدود لامدادها بما يلزم من الرجال والعتاد من اجل معركة حمص التي هي معركة اللاذقية مثلما هي معركة دمشق، كما تم اعداد بلدات في الشمال للغاية نفسها، وفي البقاع الاوسط وضعت الخطط الخاصة بالزحف على دمشق، قبل ان يتبين ان عرسال، بتضاريسها الطبيعية، هي نقطة الانطلاق النموذجية لتقويض النظام الذي هو جزء من معادلة يمكن كسرها جزئيا ولكن لا مجال لتفكيكها بالكامل...
ما حدث ويحدث في عرسال، وتذكرون الزيارات لاناس لم يسمعوا بعرسال من قبل، ولا بعذابات عرسال من قبل، وتذكرون البهلوانيات التي شقت الطريق امام المغول الجدد..
هل من احد يعلم لمصلحة اي عرّاب نعمل الآن؟ على الاقل نعمل من اجل مولانا ابي بكر البغدادي، ولا فارق بين ان نمتطي ظهر الشيطان او ان يمتطي الشيطان ظهورنا!