يا أيلول جوبر، صورٌ حقيقية كُتبت من على المتراس

يا أيلول جوبر، صورٌ حقيقية كُتبت من على المتراس

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

 .. سابقاً التقينا على سَفح جبلٍ بعيد، كان ورفاقه يتدربون "بشراسةٍ" وتواتر ضمن معسكرٍ خاص، الوجهة وقتها لم تكن مَعلومة لكن طريقة التدريب من اقتحام الحصون للتسلل ضمن الأنفاق، القفز المظلي، عمليات الإخلاء وسحب الجرحى، الاحتماء من الـ"عدو".. كلها توحي بأن المُهمة من النوع الـ"مفصلي".
أشهرٌ مَضت، التقينا الآن، نَفسُ الابتسامة لكنه مُغبر أكثر هذه المرة، فالحطام في هذا الحيّ يحمل مع نسمات الصيف "غباراً وبارود".
يقول أحمد "منذ اليوم الأول للتدريب تمنّيت أن تكون مهمتنا هنا، في جوبر، وتحققت الأمنية، أريد منك أن تلتقط صوراً كثيرة، أريد أن أهدي كل أمهات حَينا صوراً من هنا، لأمّ كلّ من قضى ضمن الحي أو من القذائف التي تُطلق من جوبر سأهديها صورةً من هنا".
يبتعد الجندي قليلاً مكملاً مهمته لنتابع جولتنا الحَذرة ضمن الحي الأكثر جدلاً شرق العاصمة دمشق، الواقع الميداني يوحي بصعوبة المعارك، مقاتلو المعارضة اتخذوا من الأنفاق ركيزةً أساسيةً في المعركة، فهذه الأنفاق تؤمّن التنقل الآمن نسبياً وتستخدم لتموين الغذاء والسلاح وأحياناً علاج الإصابات المتوسطة والخفيفة، عدا عن الأنفاق فقد نَشر مقاتلو الفصائل المسلّحة قناصيهم ضمن طلقيات بعيدة يستطيعون من خلالها إعاقة تقدم القوات البرية للجيش السوري..
لتوضح الصورة أكثر، أرفع قامتي "القصيرة" وأطلّ من خلف المتراس لأصف لمن يقرأ ما أقصد "أمامي بناءٌ من أربع طوابق يبعد عني حوالي 25 مترًا، هذا البناء يسيطر عليه المسلحون، لا حركة ضمنه ولا شيء يوحي بالحياة، أدقق النظر أكثر لأرى "جراباً" وقطعة ملابس، أضغط "زوم" بكاميرتي، أصبحت عيني داخل البناء، هنالك إبريق شاي وما يوحي بحياةٍ انقطعت قبل قليل من المكان".
حسب مصادر ميدانية، فإنّ أغلب الأبنية التي يسيطر عليها المسلّحون على خطوط التماس تتصل ببعضها عبر شبكة أنفاقٍ حُفرت خلال السنوات السابقة، تخلو هذه الأبنية من المسلّحين نهاراً ليعودوا إليها ليلاً يراقبون التحركات أو عملية اقتحامٍ لقوات الجيش السوري.
منذ أيام صعّد الجيش السوري من عملياته في المنطقة، مستخدماً ما يسمى بالعرف العسكري بـ"الصدمة"، حيث استهدفت مواقع جيش الإسلام وفيلق الرحمن بصلياتٍ صاروخية عنيفة على مدى الـ48 ساعة، الأمر الذي أدى لسقوط قتلى وإصابات وتشتيتٍ للمقدارت العسكرية للفصائل المسلحة.
أما برياً، فما يزال من المبكر الحديث "حتى الآن على الأقل" عن عمليات "اكتساحٍ بري" كالتي حصلت في المليحة، بل يبدو أنّ الجيش السوري يعتمد على اقتحاماتٍ بريةٍ مباغتة يهدف من خلالها السيطرة على كتل وأبنية أو تفجير مقرّاتٍ للمسلحين بمن فيها، وهو ما ترسمه خارطة المواجهات التي تشهد تقدمأً ثابتاً للجيش السوري على أكثر من خمسة محاورٍ يتمّ السيطرة عليها تباعاً من قبل القوات الراجلة، لتتمّ بعدها عملية التمشيط وفك الألغام.
مصادر عسكرية تقود المعارك ضمن الحي تصف الأمر بـ"المُنتهي"، فحسب وصفها "جوبر ستعود كما عادت قبلها المليحة ومصير المسلحين في هذا الحي كمصيرهم في باقي بلدات الغوطة التي سيطر عليها الجيش تباعاً".
في سياقٍ مُتصل، وفيما يتعلق بالحالة الشعبية لسكان العاصمة الذين أرهقهم هاون جوبر، صَبية سمراء الوجه، تقارب الثلاين من عمرها وهَبت أخيها وخطيبها لهذا الحي جنوداً ضمن قوات الجيش السوري.
تقف قرب ساحة العباسيين كلّ يومٍ أثناء ذهابها لعملها تهمس للمارة بصمت "عند نَصر جوبر سأكون أول العارفين، سأنتظر أخي البطل وخطيبي ليخرجوا سالمين، وسأكون والكثيرات عروس أيلول ألبس الأبيض في العباسيين".