عن خفايا التفاوض الدولي لضرب الإرهاب في سورية

عن خفايا التفاوض الدولي لضرب الإرهاب في سورية

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ أغسطس ٢٠١٤

عندما كانت تجري التحضيرات لإعداد القرار رقم 2170 في مجلس الامن الدولي لمكافحة إرهاب تنظيم "داعش" و "جبهة النصرة"، اشترطت روسيا التزام القرار باحترام السيادة السورية. كان الأميركيون يسعون لاستصدار قرار لا يحقق إنجازاً على طريق محاربة الإرهابيين بقدر ما يشكل صك غفران باتجاه الرأي العام الغربي. أرادت واشنطن و خلفها عواصم أوروبية الخروج من ورطة دعمهم للإرهاب طيلة السنوات الثلاث الماضية بحجة الوقوف الى جانب  "الثورة السورية" أو تأييد "الربيع العربي".
قبل صدور القرار الأممي، رصدت كواليس الأمم المتحدة مشاورات ناشطة بين مندوبي روسيا فيتالي تشوركين وسوريا بشار الجعفري في نيويورك لمنع صدور أي قرار لا يحوز على رضى دمشق. القيادة السورية أبلغت سفيرها و حلفاءها بضرورة العمل لإجهاض اي مشروع يشكل مدخلاً لحرب على سوريا يطال مواقع الجيش تحت حجة ضرب "داعش".
أبلغ بعدها السفير الروسي نظراءه الغربيين وتحديدا الأميركيين موقفاً واضحاً : "القرار لا يعني فتح الباب للتدخل في سوريا، روسيا لن تقبل ومستعدة للمواجهة، فقط القرار هو لمحاربة المتطرفين الإرهابيين".
وصلت الرسالة الى كل العواصم الغربية بشأن تصلب الروس تجاه الوضع السوري. بدا لهم أن موسكو زادت من منسوب دفاعها عن دمشق أكثر من قوة الدبلوماسية التي اعتمدتها طيلة السنوات الماضية.
أدركت روسيا بأن واشنطن والعواصم الأوروبية يريدون التخلص من مسؤولية وصول التطرف الى التمدد بين العراق وسوريا عدا عن ليبيا التي تئن في ظل صراع المجموعات المتطرفة. كل استطلاعات الرأي في الدول الغربية باتت تلتقي عند هواجس الشعوب الأميركية والأوروبية والقلق من التطرف. سارعت الإدارات والحكومات في تلك العواصم على استدراك الموقف والمباشرة بخوض الحرب ضد الإرهاب.
يقول دبلوماسي عريق يعمل في الأمم المتحدة إن "تخبط الغرب أدى لإصدار القرار الدولي دون البحث في خارطة طريق لتنفيذه" :  ما هي آليات تطبيق القرار 2170 ؟ ومن هي الدول التي تشارك فيها؟ وكيف تجري العمليات؟ وهل تضمن التعاون والتنسيق بين الأطراف لمحاربة الارهاب بكل الطرق؟
كانت العواصم الغربية تستعجل الوصول الى قرار. أصرت دمشق على مشاركة موسكو في عملية مكافحة الإرهاب .مجرد وجود الروس يطمئن السوريين. تريد دمشق ان لا تتفرد الإدارة الأميركية بالتخطيط والتنفيذ . أساسا التعاون قائم بين بغداد وواشنطن في غرفة عمليات مشتركة في الأراضي العراقية. أي معلومات تلتقطها الطائرات الأميركية حكماً تصل الى دمشق و طهران عبر بغداد. من هنا جاءت فعالية استهداف مقرات "داعش" في دير الزور والرقة من قبل الجيش السوري. لكن يعود الفضل في تلك الإنجازات لدمشق بشكل أساسي، ما يؤكد ضرورة التعاون والتنسيق الدولي  مع الجيش السوري في ضرب الإرهاب و عدم فعالية أي ضربات أميركية من دون مواكبة ومساعدة ومشورة سورية.
الدبلوماسي نفسه يقول أن واشنطن مقتنعة بضرورة التعاون مع دمشق، لكن ماذا ستقول عن حملاتها على الرئيس السوري بشار الأسد؟ كيف ستسّوق سريعاً الاستدارة بشكل علني؟ ثمة مصلحة أميركية بإبقاء الضغط على دمشق. تريد الإدارة الأميركية الاستحصال على مكاسب في المفاوضات التي تجري مع سوريا وحلفائها. كيف يمكن للولايات المتحدة الأميركية التسليم بثوابت سوريا والتراجع دون ثمن، فيما الاشتباك قائم مع حلفاء دمشق وخصوصا الروس حول كييف؟! لا يمكن الفصل في الصراعات والتنافس. الامور بالجملة وليست بالمفرق.
تداولت الصحف الغربية مقالات وتحليلات عن وجوب ضرب الإرهاب كي لا يصل الى أوروبا وأميركا. الغاية بالنسبة اليهم ضمان المصالح وعدم وصول المخاطر اليها. لكن للأميركيين مصلحة بتوسيع مساحة الحرب تحت عنوان ضرب الإرهاب. عملياً تدخل مجدداً واشنطن من النافذة الى الشرق الأوسط بعدما خرجت من الباب العراقي.
السوريون بالمقابل غير مقتنعين بالاكتفاء بالعمل العسكري المباشر لضرب التطرف. بالنسبة اليهم الحرب على الإرهاب تعني محاصرته و استيلاد ثقافة مغايرة له. هذا ما يسوّق له السفير السوري بشار الجعفري في نيويورك.
بالنسبة الى دمشق مكافحة التطرف تعني تغيير المناهج التربوية القائمة على أساس تعليم الجهاد في عدد من الدول العربية. استبدال التوجهات الدينية التكفيرية ببدائل التسامح كما في الإسلام السامي. منع الفتاوى الدينية العشوائية. تحرير المجتمعات العربية من القيود وإعلاء مصلحة الإنسان. منع تمويل المتطرفين و محاصرة حركاتهم. مقاطعة الدول التي لا تلتزم بمكافحة عملية للإرهاب. ما دون ذلك بالنسبة الى دمشق هو علاج مؤقت لن ينجح ولا يشجع كما بدا في حديث الجعفري.
تنفتح بالمقابل دمشق على كل تعاون حتى مع دول حاربت سوريا علنا طيلة سنوات الأزمة. الأهم الآن هو محاربة التطرف والإرهاب والحد من تمدده والقضاء عليه. دمشق أصبحت استراتيجياً أكثر ارتياحاً و اطمئناناً.
لم تعد وحدها تحارب مسلحين كان يعتبرهم العرب والغرب ثواراً ديمقراطيين حتى الأشهر القليلة الماضية. لكن الشعوب باتت تدرك الآن ان سوريا كانت على حق.
سيزداد الضغط الغربي في ملف الإرهاب، ما سيولد إجراءات جديدة في دول عربية كالسعودية لمكافحة تلك الآفة من خلال القبض على متورطين بالمجموعات التكفيرية الإرهابية. علماً ان الرياض تخشى من تمدد "داعش" الى مدنها. هناك بيئة حاضنة لديها. استطلاعات الرأي أكدت ذلك فأخافت الحكومة والحاكمين.