الغربة.. بقلم: خلود أديب

الغربة.. بقلم: خلود أديب

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٥ أغسطس ٢٠١٤

الغربة غربةٌ تختارها ورغبة تُساق إليها قسراً وغربةٌ تدفعك الظروف المحيطة، أنّى كانت، إلى ترجيح كفة الرحيل عن أرضٍ حملت عبق تاريخ الإنسانية قاطبةً وعزائم الأجداد وطموحاتهم، وانكسارات الغزاة على أعتابها؛ وطن تعتق فيه رحيق الحضارة الأولى، وأرض طاهرة مقدسة خرجت منها الرسالات السماوية لتزلزل ضمير الإنسان وتدمغه بإيمان له طعم الشرق وسحر فكره المستنير.
قد يختار المرء الغربة نتيجة انسلاخه عن واقعه وانفصاله عن محيطه ومجتمعه، وضعفٍ في الانتماء المكاني والزماني. ولا أقول ضعفاً للانتماء الوطني، لأنّ المنتمي لهذه الفئة من الناس لا يملك ذلك الشعور والفكر الوطني أصلاً. فهو يشعر بالفوقية على أبناء جلدته وأترابه. يرفض تصنيف الغرب له بأنّه ينتمي إلى بلدٍ أو عرقٍ أو أمةٍ أو جماعةٍ ينضوي تحت لوائها. تتعاظم الأخطاء في نظره لتصبح خطايا وتغدو الثغرات عثرات تعوقه والصغائر كبائر. وبدلاً من التحلي بروح المسؤولية عما جرى ويجري والمساهمة في تصحيح ما يراه خطأ أو تغيير البالي من الأفكار والتقاليد، يمارس سياسة النأي بالنفس عن كل ما يجري حوله ويترفع عن الانغماس فيه بحجة الاختلاف والتفوق الاجتماعي والفكري؛ وكل ذلك بحسب نظره. هنا تكون هجرةٌ لا رجعة منها، على الأرجح. هو غريبٌ بالروح ويبقى الجسد، فيشد الرحال. بل إنّه قد يمارس أفعالاً تضر بوطنه الأم وترقى لمرتبة الخيانة.
وهناك الغربة التي قد تدفعك الظروف المحيطة لتغليب كفة الهجرة على البقاء، ومنها الاقتصادية والاجتماعية. وقد تلبس تلك الظروف لبوس الأفعال والممارسات، بفعلٍ بشريٍّ عفويٍّ أو مقصودٍ، فرديٍّ أو جماعيٍّ، فتحدو بك إلى اختيار الغربة طوعاً، إحساساً منك أنّها ترجح كفة الميزان باتجاهها لصالحك، وتمكنك من الإمساك بخيوط القوة المادية والمعنوية بغرض تحسين مستقبل أولادك. هي هجرةٌ قد تختارها مؤقتاً، وقد تطول بك لتتحول إلى هجرةٍ دائمةٍ، إلا أنّها لا تفقدك الشعور بالانتماء إلى الأصل والخشية على مصالحه.
أما الغربة التي تُجبر عليها، فهي، في الحقيقة عبارةٌ عن تهجيرٍ قسري تمارسه فئة تعتقد أنّها الأكثر قوةً، وأنّها وحدها تمتلك منابع الحق والحقيقة ضد فئة مستضعفة سياسياً  أو مهمشة اجتماعياً أو موسومة بالكفر والزندقة في نظر الفئة الأقوى. هنا المُهجر يغادر وطنه جبراً لا اختياراً، يحمل معه حنينه الدائم إليه وغصةً مريرةً في الحلق لانسلاخه القسري عنه. فيتحين الفرص للعودة إليه ليكون فرداً فاعلاً، مؤثراً ومتأثراً، ليستحق شرف الانتماء إليه.
أيُّها السوري خارج وطنك، أي من هؤلاء أنت؟ ولأي تصنيف يرتضي قلبك وعقلك الانضواء تحته؟ وماذا تفعل من أجل العودة؟