تأثير الأحداث السياسية على الاقتصاد في الشرق الأوسط  (بين الأمس واليوم) .. بقلم: إيفلين المصطفى

تأثير الأحداث السياسية على الاقتصاد في الشرق الأوسط (بين الأمس واليوم) .. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ أغسطس ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com

يقال إن أردت أن تعرف ما يحدث اليوم من صراعات في العالم فعليك قراءة التاريخ أولاً، وبالطبع لا يمكن تجاهل ما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط دون العودة بالذاكرة إلى ما حدث في القرون الماضية.
في ظل الصراع المستمر في المنطقة لابد وأن يتبادر لذهن القارئ تساؤل حول الأوضاع الاقتصادية ولاسيما في سورية .
فهل هذه المرة الأولى التي يحدث فيها ارتفاع للأسعار في سورية؟ الجواب هنا بالطبع لا .
فقد بلغ ارتفاع نسبة مؤشر أسعار التجزئة قرابة 830.5% بين عام 1938-1939 وعام 1945، في حين أنّه نسبته اليوم تبلغ قرابة 300-400% (2010-2013).
إنّ مثل هذه المقاربات تم التوصل إليها من خلال البحث في التاريخ الاقتصادي للشرق الأوسط في القرن العشرين، لذلك ننقل  هنا  بحثاً  يركز على  أوضاع الأسعار خلال الحرب العالمية الثانية.
وللوقوف عليها، لابد من أخذ لمحة عن كيفية تأثير الأحداث سياسياً على الأوضاع الاقتصادية.
فقد تحول الشرق الأوسط إلى ساحات رئيسية لنشاطات عسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، وأصبح يشكل قاعدة كبيرة لبريطانيا وفرنسا الحرة والجيوش الأميركية، التي كانت تقاتل القوات الألمانية والايطالية سعياً لغزو الشرق الأوسط عبر شمال افريقيا.
وفي خضم هذا الصراع بدأت التغيرات السياسية تظهر، وكان من أبرزها إعادة احتلال العراق من قبل بريطانيا عام 1941، حينها تمت الإطاحة بإدارة فيشي الفرنسية خارج سورية ولبنان، ليتم استبدالها بإدارة فرنسية بريطانيا حرة مشتركة في السنة ذاتها. 
وفيما يخص الحياة الاقتصادية، فقد كان  للحرب أثر كبير ظهر في مجالين رئيسيين هما: 
المجال الأول: كان بانقطاع النمط التجاري قبل الحرب، نتيجة إغلاق ألمانيا للبحر المتوسط وذلك منعاً لسفن الحلفاء من الوصول إليها، ما تسبب بحدوث نقص حاد في كلٍّ من السلع الاستهلاكية وأهم المواد الزراعية، والصناعية الداخلة في الإنتاج مثل الأسمدة الكيماوية و قطع الغيار، (ملاحظة: هذا الأمر مشابه لما يحدث في سورية اليوم اقتصادياً، حيث يلحظ المتابع حدوث الأثر ذاته سواء في نقص السلع الاستهلاكية واللوازم الزراعية والصناعية) .  
أما المجال الثاني: فقد كان بسبب وجود عدد كبير من قوات الحلفاء، ما ساهم في زيادة الطلب على المنتجات والخدمات، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على الاقتصادات المحلية سواء بالنسبة للإسكان أو العمل أو الطعام، فمثلاً في الحالة الفلسطينية زاد الطلب على إنتاج اللوازم العسكرية مثل صفيحة تعبئة البنزين والألغام والأسلاك الشائكة.

وللوقوف على تأثير مثل هذه المشتريات اقتصادياً بالإمكان استخلاص فكرة عنها من خلال حسابها في ذروة عام 1942 ، حيث ساهمت المشتريات العسكرية بحوالي ثلث الدخل القومي في كل من سورية ولبنان و حوالي 15-20% في العراق، أما فلسطين فقد أصبحت ثاني أهم قاعدة عسكرية لبريطانيا بعد العراق.
وتبين إحدى  التقديرات أنّ عدد السكان المحليين (من العرب واليهود)، سواء الذين كانوا يخدمون بشكل مباشر في القوات المسلحة البريطانية أو شاركوا في بعض النشاطات التي لها علاقة بالجيش بلغ حوالي 130 ألف مواطن، وهناك تقدير آخر بأن نسبة المساهمة العسكرية للدخل القومي من عام 1940 -1945 كانت حوالي 25% فقط.
و هذه المشتريات أدت لعدد من النتائج المباشرة لهذا المزيج من أبرزها:
حدوث نقص للبضائع بشكل إجمالي، وزيادة الإنفاق العسكري بشكل ضخم ما أدى إلى التوسع الهائل في الكتلة المالية، وارتفاع نسبة التضخم التي استمرت طوال فترة الحرب.
ومن ضمن الأمثلة على ارتفاع مؤشر الأسعار، نذكر العراق حيث ارتفع مؤشر الأسعار العام بنسبة 580%  ما بين عام 1938-1939 و عام 1943، في حين ارتفع مؤشر سعر التجزئة في دمشق إلى 830.5% بين عام 1938-1939 وعام 1945.
ولضبط هذه الأوضاع بذلت الحكومات قصارى جهدها، لكنها كانت تفتقر إلى وسائل إدارية تمكنها من فرض نظام ادخار قسري يتم من خلاله رفع المدخرات سواء برفع الضرائب، أو شراء سندات الخزينة وقد تم تطبيق كلا الوسيلتين.
أكثر إجراء فعال ساهم في السيطرة على ارتفاع الأسعار، اتخذته الحكومة البريطانية لامتصاص القدرة الشرائية الزائدة، حين أقدمت على  بيع 80 مليون دولار من سبائك الذهب للمواطنين حيث قامت بشرائه من الهند  بشكل خاص لهذا الهدف، ويقدر أنّ حوالي 18% من المشتريات العسكرية البريطانية تم دفعها بالذهب في عامي 1934-1944، بشكل خاص في العراق، وهذا ما يفسر أنّ العراق كان  أقل تضخماً من سورية ولبنان لأنّه تم طرح سبائك الذهب للمواطنين عوضاً عن المال مما ساهم في تخفيض السيولة، ( ملاحظة: في حين نجد اليوم ذات الأثر في سورية سواء من ناحية قلة البضائع وزيادة الكتلة المالية، لكن طرق المعالجة لهذه الأثر مازالت غير ناجعة خاصة من خلال اتباع طرح النقود وطباعة الأموال ما يفاقم الأوضاع الاقتصادية أكثر)
إنّ الخلاصة من هذه المقاربات، هو الوصول لنتيجة تبين أنّه من الأفضل لكل حكومة تتعرض لمثل هذا الأثر الاقتصادي، الاعتماد على مزيج من الرقابة على الأسعار ومكافحة الاحتكار.