الشيخ النمر.. صوت حقٍّ يزلزل عرش المملكة

الشيخ النمر.. صوت حقٍّ يزلزل عرش المملكة

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ أغسطس ٢٠١٤

 بكل وقاحةٍ تدّعي السعودية أنها تكافح الإرهاب وتدعم ثورات الشعوب المحقة. ولكن يبدو أنّ مفهومها للإرهاب والثورة مغايرٌ للمعنى الحقيقي للكلمتين، فهي لا تميّز بين ثورة الحق وثورة الباطل التي كانت من أبرز داعميها في سوريا، ولا تميّز بين قمع أصحاب الحقوق وبين دعم الإرهاب بالمال والعتاد.
فالملك السعودي يرهقنا بحديثه عن ضرورة معاقبة الإرهابيين الذين يعيثون فساداً في الأرض العربية، متناسياً أنّ أفعال هؤلاء وتحديداً تنظيم "داعش" الإرهابي، لا تختلف أبداً عن ممارسات المملكة الوهابية التي يحكمها. وللتذكير فقط، فإنّ ما يحصل اليوم في العراق، وحصل في سوريا منذ بدء الأزمة، من هدم ونبش للقبور والمقدسات تحت راية "لا إله إلا الله"، قامت به سلطات "مملكة الرمال" يوم استولت على أرض الحجاز، فهدمت قبور البقيع وكاد التهديم أن يطال القبة المقدسة الخضراء.
هي نفسها المملكة "الديمقراطية" التي ادّعت أنها تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي ثوراتها على أنظمتها، قمعت ثورة العوامية السلمية، منذ سنوات ووصفتها بـ"فتنة العوامية"، وكذلك تظاهرات المنطقة الشرقية في الأحساء والقطيف والقصيم، وأودعت عددًا من كبار علماء هذه المناطق في السجون بتهمة "طلب الحرية" في ممارسة الشعائر الدينية، فارضةً تضييقات كثيرة على أهالي هذه المنطقة. ووصل الأمر بها أن تصدر حكماً بالإعدام بحقّ أحد أبرز علماء الدين في المنطقة الشرقية، الشيخ نمر باقر النمر.
فالإفساد في الأرض، واستحلال الدماء، والانضمام الى خلية إرهابية، وترديد الهتافات المناوئة للسلطات، والخروج في مسيرات وتظاهرات وتجمعات مناوئة للدولة، كلّها تهمٌ لفقتها السلطات السعودية للشيخ النمر، سببها مجرد تصريحات وخطب طالب فيها النظام السعودي بحقوق السعوديين في المنطقة الشرقية وفي كلّ أنحاء السعودية، دون أن يفرّق بين السنة والشيعة.
وتعود القضية إلى عام 2012، وتحديدًا يوم الثامن من تموز، حين تم أسر الشيخ النمر في كمين بعد أكثر من مرة جرى اعتقاله وتعذيبه فيها، حيث طاردته دوريات أمنية تابعة للمباحث في شوارع العوامية وأصابته بطلق ناري،على خلفية خطبةٍ ألقاها عن الاصلاح وتحدّث فيها عن الحريات الواجبة للشباب، وطالب بأن تكون المملكة لمختلف المذاهب، وأن يحصل جميع المواطنين على حقوقهم دون تمييز.
وبعد عامين، وفي وقتٍ تشهد فيه البلاد احتجاجات متصاعدة تطالب بالإصلاح، وفي ظلّ ما تشهده المنطقة العربية من حالة تشرذم وتوتر، وبدل أن تعمل السعودية على الوحدة الوطنية ورأب الصدع بين كافة الطوائف والمذاهب، لوحت سلطاتها بأن مصير الشيخ النمر، سيكون الإعدام ظهر الثاني عشر من آب. هذا القرار السعودي الظالم بحق شيخٍ، ذنبه الوحيد أنه كان جريئاً في دفاعه عن حقوق المضطهدين في بلاده، لاقى امتعاضاً واستنكاراً واسعاً في البلدان العربية والعالم الإسلامي، لا سيما في البحرين التي ترك الشيخ النمر في نفوس شعبها المظلوم، بصمةً بتضامنه وصموده في المنابر والساحات، فامتلأت ساحاتها بالتظاهرات المندّدة بالحكم السعودي والمطالبة بالإفراج عن الشيخ المعتقل، وإحقاق الحق، إلا أنّ سلطات البحرين كانت في كلّ مرة تقمع التظاهرات السلمية بعنفٍ يعبّر عن "ديمقراطية" تدّعيها.
أما إيران، التي لطالما اتّبعت سياسة الصبر والنفس الطويل والهدوء وضبط النفس في ما يتعلق بالبحرين، تخلّت عن هذه السياسة للمرة الأولى وتدخلت في شأنٍ سعودي داخلي، بعد أن رأت أنّ حكم الإعدام هذا غير عادل ومثير للفرقة، وحذّرت السعودية من تنفيذ الحكم بحق الشيخ النمر، مؤكدةً أنّ هذه الدماء ستفور في قلوب عشرات ملايين الشيعة تحديداً ومسلمي العالم عموماً، وسيكون ثمن هذا الحكم "باهظًا للغاية على سعودية".
كذلك، طلب المرجع السيد علي السيستاني، من الرئيس العراقي فؤاد معصوم التدخل لدى السلطات السعودية لمنع إعدام الشيخ نمر النمر. وكشفت بعض وسائل الإعلام، أنّ رسالة السيستاني كانت تحمل في طياتها تهديدًا كبيرًا للسعودية دون مزيد من التفاصيل، مشيرةً إلى أنّ الرئيس معصوم أبلغ السيستاني بأنه سيتواصل مع السعودية بهذا الشأن.
هذا وتفاعلت حملات دولية لإيقاف تنفيذ الحكم، وأٌطلقت حركة أنصار ثورة "14 فبراير" في البحرين و"تيار العمل الإسلامي" بيانات وتصريحات تناشد فيها أحرار العراق وإيران والبحرين ونشطاء العالم العربي والسلطات والمجتمع الدولي بالتدخل لأجل إطلاق آية الله النمر من الإعدام والإعتقال.
كما تفاعلت حملات تضامنية على مواقع التواصل الإجتماعي، عكست حالة الغضب الشعبي على الأحكام الجائرة وممارسات المحاكم الطائفية، فبرزت عدّة وسوم تضامنية مع الشيخ النمر، منها #متضامن_مع_النمر، و #النمر_خط_أحمر، وتمّ توجيه نداءات بالخروج بمظاهرات في المنطقة الشرقية، وألمانيا والهند وباكستان وغيرها من الدول التي تؤيد نهجه وترفض الظلم الذي يتعرض له.
وفي الخلاصة، يمكننا القول إنّ خوف آل سعود من أن يصدح صوت الحق في أرجاء مملكتها المهترئة، وأن يهزّها ويعيدها مملكةً للرمال، دفع بها الى ارتكاب جريمة جديدة لن تكون أقل أهمية من جرائم دعمها للإرهاب وتصديره الى البلدان المجاورة. في حين ينتظر الشيخ نمر باقر النمر اليوم النطق بالحكم الجائر بحقه، بعد أكثر من 765 يوماً أمضاها في الاعتقال التعسفي. فترى أين سيدفن النظام السعودي رأسه، من شعبه، في حال نفّذ حكمه الظالم بحق الشيخ النمر؟