لعنة السلام!!.. بقلم: د.بسام الخالد

لعنة السلام!!.. بقلم: د.بسام الخالد

تحليل وآراء

الاثنين، ١١ أغسطس ٢٠١٤

Bassamk3@gmail.com
ما يجري اليوم من عدوان إسرائيلي متكرر على غزة، تعود جذوره إلى الجدل حول موضوع السلام في "إسرائيل" الذي اتخذ مجراه منذ أول انسحاب إسرائيلي من صحراء سيناء المصرية نتيجة اتفاق كامب ديفيد عام 1978، لكن العمق الصحيح لهذا الجدل جاء مع الانسحاب من غزة عام 2005، وهو الذي وضع السؤال حول البعد الوجودي لـ "دولة إسرائيل"، فقد كان مشهد المستوطنين الخارجين من غزة مخزياً، وصورتهم وهم يغادرون منازلهم حاملين متاع الرحيل نحو استيطان آخر، كانت صادمة لزعماء حركات الاستيطان، وكأنها تعيد إلى الأذهان صورة سبي يهودي آخر!
وقتها استقال بنيامين نتنياهو من منصبه احتجاجاً على الانسحاب، لإحساس كامن لديه هو الخوف على فكرة "أرض إسرائيل"، فهو ينتمي إلى فكر استراتيجي إسرائيلي مشحون ضد فلسطين والخوف من أن تأخذ مداها في عالم الجغرافيات السياسية المعاصرة.
عندما عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 كان اختباراً للسلوك الإسرائيلي السياسي، كون "السلام" مع العرب في نظر نتنياهو ومرشديه، أشبه ما يكون بـ "لعنة دائمة" تلازم العقل السياسي الإسرائيلي، فالانسحاب من غزة ومشروع إزالة المستوطنات، لا يعني مجرد فعل عسكري تكتيكي افترضته احتياجات أمنية لجيش الاحتلال بفعل الانتفاضة الفلسطينية، بل إنه فعل سياسي وأمني وأيديولوجي يُظهِّر بصفة أعمق الآثار المترتبة على فكرة الانسحاب، وكذلك على أي إجراء انسحابي من هذا النوع، لأن ذلك في العقلية الأيديولوجية الإسرائيلية سيكون بداية لسلسلة من الانحدارات، بدأت من الانسحاب من سيناء، مروراً بالانسحاب من غزة، إلى الانسحاب المذل من لبنان الذي لا يزال يحفر مجراه الأليم منذ عام2000 إلى اليوم، ومن هنا تجسدت "لعنة السلام" التي دخلتها إسرائيل، وهذا ما أوضحه " شلومو بن عامي" وزير الخارجية الإسرائيلية السابق بقوله: (إن خطة فك الارتباط مع غزة خطوة يضطر لتأييدها كل من يعتقد أن إسرائيل ستحكم على نفسها بالزوال)!
أليس من المستغرب أن السلام الذي يفترض أن يُخرج إسرائيل من عزلتها هو نفسه الذي يبعث الخوف لديها؟.. تلك هي مفارقة السلام.. فالقوة التي تحظى بها "إسرائيل" في المنطقة لا يبدو أنها الضامن لتوفير الأمان لها في محيط ملئ بالأعداء (بحسب رأي قادتها المتعاقبين)، لذلك كان خيار إسرائيل دخول مفاوضات السلام وأن تطيل أمد هذه المفاوضات وتماطل بها إلى أقصى فترة ممكنة، وقد كشف عن ذلك شمعون بيريز بقوله: " يقيني أن إسرائيل تعبر نفقاً إجبارياً لا بدّ لها من التكيّف معه"، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى إحداث تحول في السياسات التكتيكية، من دون أن تتأثر المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الإجماع الاستراتيجي في إسرائيل!
بعد جولات المفاوضات مع الفلسطينيين وجدت القيادة الإسرائيلية نفسها أمام استحقاق التخلي عن جغرافيا سياسية (في غزة والضفة الغربية)، تعتبر في الأصل مدى حيوياً للأمن القومي الإسرائيلي، الأمر الذي يشكل باعثاً على خوف حقيقي من أن تتحول هذه المناطق، تدريجياً، إلى دولة فلسطينية مكتملة السيادة، وما العدوان الأخير على غزة إلا جزء من المخطط الإسرائيلي القديم – الجديد الذي يفتح بؤر صراع لتعطيل وإطالة أمد المفاوضات انطلاقاً من الأسباب آنفة الذكر، فإذا كانت الإرادة الدولية صادقة بتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المشروعة، وإذا توحدت الإرادة الفلسطينية ونبذت خلافاتها، فإن الأرواح التي حصدها العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كافية لرسم خارطة طريق من نوع جديد إلى كل فلسطين؟!