إسرائيل ومؤشرات الفشل

إسرائيل ومؤشرات الفشل

تحليل وآراء

الأحد، ٣ أغسطس ٢٠١٤

تباهى كتاب وخبراء إسرائيليون بنجاحات منسوبة إلى القبة الحديدة في اعتراضها لنسبة مهمة من صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة وتحدثوا عن تعمد عدم إطلاق صواريخ القبة على المقذوفات التي يبين مسارها ابتعادها عن إصابة اهداف اقتصادية او سكانية او عسكرية نظرا لمفارقات الكـلفة المالية وتحدث بعض الجنــرالات عن مزايا التجهيزات التقنية المتطــورة لدبابات الميــركافا التي جرى اختبارها في المعارك والتي تتيح التعرف على ما يحيط بها من الجهات الأربع عدا عن التجهيزات المضادة للصواريخ المضادة للدروع وعن فعالية التنسيق الميداني واللوجستي بين القوات البرية والجوية والبحرية لجيش الاحتلال وهم في ذلك يستبقون المحاسبة على توصيات تقرير فينوغراد.
هذه العناصر الثلاثة يتشكل منها مضمون حملة الدعاية الإعلامية التي تستخدم داخل الكيان الصهيوني على اوسع نطاق لحجب الفشل الكبير الذي مني به العدوان على غزة وتحت ستار هذا الدخان يخفي الإعلام الإسرائيلي مجموعة من الحقائق التي شرعت تظهر الاعترافات بها وأحيانا في ذات المقال كما بينت مقالات وتقارير مطولة نشرها عاموس هرئيل وناحوم برنياع وبني كاسبيت في اليومين الماضيين وتحقيقات بثتها قنوات التلفزيون الصهيوني ويمكن إجمالها بما يلي :
أولا تبين في القتال البري ان المقاومة الفلسطينية طورت من أساليبها الدفاعية والهجومية وشكلت الأنفاق التي استخدمت في التسلل إلى داخل فلسطين المحتلة عام 48 مفاجأة الحرب المدوية واحصى الكتاب الصهاينة خمس هجمات كبيرة ومؤلمة شنها المقاومون وأوقعت العديد من الخسائر في صفوف ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي وقد وردت على لسان ضباط صهاينة في الميدان اعترافات عن تغير نوعي في طبيعة المقاتلين الفلسطينيين ونوعية تجهيزهم واسلوبهم القتالي الذي اتسم بمعدلات عالية من الخبرة إضافة إلى الجرأة والإقدام قياسا إلى المعارك السابقة وهو ما أكسب المقاومة عنصر التفوق في القتال البري واعترف خبراء إسرائيليون بأن هذه الحقيقة تمثل علامة فارقة في المعارك التي دارت وجها لوجه على أرض القطاع المحاصر وفي بعض مواقع ومستعمرات القشرة المحيطة حيث بادر المقاتلون الفلسطينيون.
ثانيا كرر ضباط صهاينة في شهاداتهم الاعتراف بنقص المعلومات المخابراتية والعجز الإسرائيلي عن إصابة الهيكل القيادي لفصائل المقاومة وعدم امتلاك أي معلومات عن أمكنة تواجد غرف العمليات والقيادة العسكرية الفلسطينية بحيث لم تسجل إصابة واحدة ذات شأن واستمرت آلية القيادة والسيطرة الفلسطينية في العمل بكفاءة عالية على صعيدي مواصلة إطلاق الصواريخ وقيادة معارك الالتحام البرية بجيش العدو وهو ما لخصه احد الضباط بالقول إن الصمود بالنسبة لحماس والفصائل هو انتصار بينما تلاشت صيحات القضاء على حماس والفصائل التي ضجت بها تل أبيب في الأيام الأولى للحرب.
ثالثا اعترف الخبراء الإسرائيليون على الرغم من التباهي بالقبة الفولاذية بأن صواريخ المقاومة الفلسطينية ولدت حالة من الشلل الاقتصادي وعـطلت مطار بن غوربون لثلاثة أيام وهي ألحقت خسائر مالية جسيمة ورغم ما حملته استطلاعات الرأي من تأييد لحكومة نتنياهو خلال الحرب قارب الثمانين بالمئة كما أفادت الصحف فإن الصراعات السياسية التي ظهرت داخل الحكومة والسجالات المنقولة عن الاجتماعات الحكومية المصغرة تعزز حالة من القلق والترقب في انتظار نتائج المجابهة ومضمون اتفاق وقف النار الذي سيتحكم بمزاج الجمهور الإسرائيلي خصوصا إذا انطوى بوضوح على تدابير فك الحصار عن غزة دون نزع السلاح وهو ما سيعتبر معيارا لفشل كبير يسمح لفصائل المقاومة بإعلان النصر مما سينعكس على معنويات الجمهور الإسرائيلي.
رابعا سياسيا اعترف الخبراء الصهاينة بأن سلسلة المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال ولدت موجة غضب عارمة دوليا واضطرت إدارة اوباما لتوبيخ المسؤولين الإسرائيليين ومطالبتهم بالخروج من القطاع تبعا لما نقل عن المكالمة التي جرت قبل يومين بين وزيري الحرب الأميركي والإسرائيلي في مقال نشره شمعون شيفر في يديعوت احرونوت تحت عنوان «بطاقة حمراء» وفي الكواليس الإسرائيلية مخاوف جدية من تحقيقات وملاحقات قضائية أشد من سابقاتها هذه المرة .
خامسا اعترف الخبراء الصهاينة بأن نتنياهو اضطر بسبب المأزق إلى طلب معونة واشنطن السياسية وكسر الحظر على السلطة الفلسطينية وحكومة المصالحة التي تعهد بإسقاطها عشية حملته على الضفة الغربية ومن ثم عندما شن الحرب على قطاع غزة وقد باتت الحكومة الفلسطينية نتيجة فشل الحرب على غزة كما وصفها المعلقون خشبة الخلاص وشريكا مقبولا في ترتيبات وقف إطلاق النار ورفع الحصار وبات محمود عباس «المنبوذ» سياسيا قبل أسابيع والمهدد بالعقاب على السير بحكومة مصالحة مع حماس بمثابة حبل النجاة لنتنياهو في طلب مشاركته بالتفاوض ومن خلال رئاسته لوفد يضم حماس ومعها الجهاد وباسم جميع الفصائل لمناقشة ترتيبات وقف النار.
سادسا شرع بعض الخـبراء والكـتاب الصهاينة من الآن يتحدثون عن الدروس والخـبرات التي راكمتها المقاومة الفلســطينية والتي ستزيدها قوة في اي مواجهة قادمة وبعضهم لاحظوا ان الحالة الشعبية الصلبة التي عززت صمود غزة رغم المــذابح والدمار ناتجة أصلا عن الانسداد السياسي المطلق للمسار الفلسطيني بفـعل المواقــف الإسرائيلية المتطرفة وتساءل بعضهم عن فرص تحريك التفاوض مجددا بعد الحرب الفاشلة وفي ظل استمرار المقاومة في غزة وبما حصدته من إنجازات بحيث سيظهر كل تراجع إسرائيلي عن المواقف التفاوضية السابقة مع السلطة الفلسطينية بوصفه إنجازا لمقاومي غزة وشعبها خصوصا وأن انتفاضة جديدة تلوح في الضفة وأراضي 48 بنتيجة الحرب على القطاع .
سابعا باشر العديد من الخبراء والمحللين الصـهاينة من الآن يتـساءلون عن الخـبرات والدروس التي ستضاف إلى مخزون حزب الله الذي يعترف بأنه مؤسس المدرسة الجديدة في المقاومة والهواجس من انفاق تصل إلى شمال فلــسطين تمــثل سببا لقلق شديد والسؤال الذي كرره اكثر من كاتب إسرائيلي هو ماذا استخلص السيد حسن نصرالله من دروس بعد هذه الحرب وكيف سيجسدها مقاتلو حزب الله في الحرب القادمة بينما سأل آخرون عن طبيعة المجابهة المقبلة في غزة بعد انهيار أي اتفاق للتهدئة.