عن الرّقة و داعش... الفاصولياء السحرية و السيف الدمشقي

عن الرّقة و داعش... الفاصولياء السحرية و السيف الدمشقي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ يوليو ٢٠١٤

إنه زمن التكبير لكل شيء إلا الله و العقل! فمع كل " تكبيرة " يطلقها أصحاب اللحى  تهتزّ أركان الإسلام و تتصدع جدران الكعبة و تتمزّق أستارها إرباً إربا و معها مساحات الإيمان في قلوب لم تكن تر في الدين إلا حمامة سلام مهمتها نشر المحبة و الخير بين الناس ...و إذ بها تتحول إلى تنين ينفث لهب الحقد بين البشر و يقضم رؤوسهم بتلذذ و شهيّة...كأنها غذاؤه الوحيد الذي يقتات عليه!
و مع كلّ شعار أو تصريح أو تبرير أو خبر يطلقه " المعارضون " و من يدعمهم ...يتقلّص العقل و ينكمش ليغدو بحجم حبة فاصولياء سحريّة , يزرعها الغرب حيثما يشاء ليسقيها في لحظة يختارها قيء الشيوخ و سموم إعلام النفط بتقنية الري بالتنقيط! فتنمو كما في قصص الأطفال لتتحول إلى شجرة خبيثة شاهقة تخيّم فروعها و أغصانها السوداء فوق مجتمعاتنا و أوطاننا إلى أن تينع ثمارها فتتساقط فوقنا دواعشاً و "جبهات "  و " حرّ" !
و بالحديث عن الدواعش ..قد يبدو الكلام الآن عن تفاصيل ما يجري في المنطقة الشمالية الشرقية و الرقة بالتحديد سابقاً لأوانه , فالحدث بتجلياته لم يكتمل حتى ساعة كتابة هذه السطور , و لن تظهر الصورة الكاملة للعين المتابعة إلا بعد مرور مزيد من الوقت لتتكشف التفاصيل فتبني عليها   رؤيتها الشاملة و الدقيقة للمشهد العام.
و قد يكون من المنطقي و الطبيعي أن يطرح البعض مجموعة من التساؤلات المتبوعة بإشارات الاستفهام ..من مثل : لماذا لم تعط الأوامر لحامية مقر الفرقة 17 ( التي يتواجد جلّ قوامها في محافظة دير الزور و الحسكة كما أشرنا غير مرة في السابق.. و إلا لما استطاعت قطعان الإرهاب دخول الرقّة أساساً! ) بالانسحاب قبل الهجوم الأخير ؟ ألم تمتلك القيادة معلومات مسبقة بهذا الشأن؟ ألم يكن بالإمكان جعل الانسحاب و إعادة الانتشار أكثر تنظيماً؟ و ماذا عن بقية المناطق التي استكلبت عليها الروبوتات البندرية في الحسكة و البادية و دير الزور؟ ما هي خطّة القيادة للتصدي لهم و دحرهم؟ .....و الكثير من الأسئلة المشابهة...
لكن المشكلة لا تكمن في هذه النوعية من الأسئلة فهي تبقى مشروعة , بل في محاولات البعض الضغط على صاحب القرار العسكري ( و كأنه بحاجة لمزيد من الضغوط!) حتى يبني قراراته و خططه بما يتناسب مع رؤيتهم و غاياتهم من خلال حملات الندب و النواح المسبوقة بقصف " تخويني " عنيف لا يوفّر أحداً.. في كل مرّة لا يكون الخبر الوارد فيها مبتدئاً بعبارة ( قواتنا المسلحة تسيطر بشكل كامل على .....)!! و كأن المطلوب أن ينفّذ القادة العسكريون السوريون خطط جنرالات الفيسبوك و التويتر الجهنمية " الذين لا يميزون بين الجيب النّاري و الجيب واز!" أو كأن القوات المسلحة ضربت حصارها على الغوطة الشرقية و طهرّت القلمون و جلّ مدينة حمص و السفيرة و سجن حلب المركزي و كسب و..و..و.. من خلال الاعتماد على تعليقات و نصائح روّاد الانترنت و تكتيكاتهم الفذّة التي " لا يشقّ لها غبار!"
يقول المثل العامي " اعط خبزك للخباز ولو أكل نصفه!" لكن ماذا نقول عندما يصبح الجميع " خبّازين" من طراز جوكوف و مونتغومري و رومل ؟!!
تخيّلوا معي لو كان الفيسبوك موجوداً عند بداية الاجتياح  النازي للاتحاد السوفييتي! عندما أباد الألمان عشرات الفرق العسكرية و حاصروا جيوشاً سوفييتية بأكملها قبل أن تستسلم و هي المؤلفة من مئات آلاف الجنود! هل كانت لتصمد القيادة العسكرية السوفييتية و تسحق ألمانيا الهتلرية لاحقاً بوجود جنرالات الفيسبوك و مارشالات تويتر؟ أميل للاعتقاد أن العالم كان ليكون الآن في قبضة حفيد هتلر..ربمّا!
بالعودة إلى الشمال الشرقي , فمن نافلة  القول بأن ما يجري هو استكمال لمخطط أمريكي بدأ في العراق و يراد له تثبيت موطئ قدم في سورية حتى يشمل كل دول الطوق , فتتحقق مقولة : حدودك يا إسرائيل ..من الفرات إلى النيل! اللعبة باتت أوضح من أن يتم شرحها و تحليل أبعادها و مرتكزاتها , إنها الفوضى الخلّاقة التي بشرتنا بها الشمطاء كوندي منذ ثماني سنوات , فوضى الثورات و المعارضات و الجيوش و الـ " الخلفاء" و الكانتونات , المطلوب اليوم ليس فقط فتنة سنّية – شيعية كما يقول البعض أو حتى صراع مشاريع  ما بين الإسلام السياسي و القومية العربية , بل انشطار نووي شامل يتصارع  فيه السني مع السني و الشيعي مع الشيعي و الاشتراكي مع الاشتراكي و العلماني مع العلماني و الليبرالي مع الليبرالي..الخ , نحن بنظرهم لا نستحقّ حتى ما تركه لنا سايكس و بيكو ! بل يجب أن يصل الانقسام إلى المدن و القرى و البيوت ذاتها ...من مبدأ " حريّة التعبير " و " الديمقراطية " على الطريقة الغربية! عندها تصبح إسرائيل بأمان لمئات السنين القادمة بعد أن قرعت حرب تموز 2006 جرس الإنذار الأخير للصهاينة
عندما رأيت دبابات الـ ( ابرامز )  بين يدي الدواعش عقب دخولهم الموصل ..فهمت على الفور ما الذي عنته الإدارة الأمريكية قبل مدة وجيزة بقولها أنها " تبحث سبل إيصال السلاح إلى – المعتدلين – في سورية!"  ها هو السلاح النوعي...قد وصل! داعش معتدلة ..فهي تقتل الجميع بلا تمييز بين المذاهب أو الاعراق!
هي ذاتها الولايات المتحدة الأمريكية من سحق دولاً و هشّم جيوشاً لأجل النفط و حقوله, و اليوم نراها تتفرج غير مبالية بسيطرة تنظيم القاعدة الجديد على آبار النفط و الغاز في سورية و العراق! لم اعد استبعد أن يُعيّن البغدادي قائداً للقوات الأمريكية في المنطقة.. علناً!
هل تذكرون الفيلم الأمريكي الطويل المعنون " البحث عن بن لادن " ؟ كان الرّجل أكثر من قدّم خدمات جليلة للعم سام , لكن وقته انتهى عندما بات البديل جاهزاً , فبوجود بن لادن " زعيم المتطرفين " في العالم الإسلامي لن يكون بوسع " البغدادي " أن يتخلّف ( أي أن يصبح خليفة) !! و لا بأس بفترة انتقالية يقودها الظواهري " الضعيف "
أرأى أحدكم هذه المسرحية قبلاً؟ فكّروا جيّداً! هل تذكرون كيف اغتالت إسرائيل كلاً من الشيخ أحمد ياسين و عبد العزيز الرنتيسي؟ رغم أنها جرّبت ذلك الخيار مع حزب الله قبل ذلك فجاءها من هو أشد و أخطر! هل إسرائيل غبيّة إلى هذا الحد لتعيد التجربة مع حماس؟ بالطبع لا ..لكن كيف كان لخالد مشعل أن يمسك بقرار حماس بوجود هذين الرجلين و من بعدهم أحمد الجعبري؟ و كيف كان لرجل من طينة محمود عباس أن يمسك بمفاصل فتح و منظمة التحرير لو لم تتم إزاحة ياسر عرفات من طريقه؟
 قد لا يكون مشعل عميلاً مباشراً للموساد , لكن ولاءه للتنظيم العالمي أكبر من أي شيء آخر , و التنظيم في جيب قطر , و قطر في جيب إسرائيل.. أين يكون مشعل إذاً! ليس في جيبي حتماً!
إذاً كان لا بد من تعبيد الطريق أمام المولود الجديد الخارج من رحم القاعدة , فبن لادن استُهلك.. و مصطلح تنظيم بات بالياً...إنه زمن " الدولة الإسلامية الموعودة " التي سيهاجر إليها كل إرهابيي العالم لينكلّوا و يضهدوا الآخر تماماً كما فعلت "هجرات أبناء العمومة إلى أرض الميعاد"! من سيجرؤ حينها على اتهام إسرائيل بالعنصرية؟ وعد بلفور جديد ..لنسمه وعد " برنار " هذه المرّة!
في دمشق مزاج آخر , و مشروع آخر , فالماكينة العسكرية السورية اليوم تتحرك وفق خطط مدروسة و معدّة سلفاً أُخذ عند وضعها ما بين يدي صاحب القرار العسكري من معلومات و معطيات لا يعلمها إلا قلّة قليلة , ساذج من يظن أن أحد هؤلاء القادة سيخرج إلى العلن مدفوعاً بالضغط الإعلامي و الحرب النفسية ليكشف عن اسباب إصدار أوامر معينة و عدم إصدار أخرى , ما لم ينجح  العدو بالحصول عليه في الحرب الاستخبارية.. لن يحصل عليه نتيجة تراجع هنا أو تقدم هناك.
لسان حال الآلة العسكرية السورية يقول: من يظن أننا لن نسحق داعش و مشتقاتها في كل زاوية و شبر من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب فهو إما واهمٌ  أو جاهل , و من يظن أن دماء كل شهيد إن كان في الفرقة 17 أو في أي بقعة رواها أبطالنا بغزير دمائهم الزكية ستذهب سدى فهو رغم مرور 3 سنوات و نصف لا يعي حجم المؤامرة و أن ما يجري هو حرب عالمية ثالثة واجه فيها جيشنا و يواجه ما تعجز عنه أعتى جيوش العالم! و ها هو ينتصر , و من يعتقد أننا سنقف
عند حدود تطهير الوطن بأكمله من رجس أذناب الأفعى دون اقتلاع رأسها في الجولان و تل أبيب لاحقاً.. فهو لم يفهم جيداً ماذا عنى السيد حسن نصر الله عندما قال : ولّى زمن الهزائم ... و جاء زمن الانتصارات.
هناك تقصير؟ نعم!
يوجد خونة و متخاذلون؟ من الطبيعي!
أكان بالإمكان أفضل مما كان؟ لا شك!
يوجد أخطاء ؟ حتماً!
لكن تجاهل حقيقة أن الحرب الحالية قد أثبتت بالدليل القاطع اننا نمتلك خيرة القادة و المخططين العسكريين و أن الجيش العربي السوري لا يتكون من جنود ..بل من
اساطير بطولة و شجاعة و تضحية حقيقية, سيجعلنا من حيث لا ندري كرصاصة تخترق ظهر الوطن و جيشه في دمشق ايضاً تصنع أمضى السيوف و أقواها على مر الزمن , و على الأرض السورية تعلّم الإنسان حراثة الأرض و زراعتها , لا عجب إذاً أن يلقي التاريخ مهمة قطع شجرة الإرهاب و اقتلاعها  من جذورها على كاهل
السوريين الأصيلين , و هم سيفعلون ذلك عاجلاً و ليس آجلاً.. من يشكك بذلك لا يعرف من هم السوريون .. ولا يعرف من هو الجيش العربي السوري
و للحديث بقيّة....